الأقوال والأفعال، ثمّ علل ما أمر به من التقوى بقوله: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لأقوالكم {عَلِيمٌ} بأفعالكم، فمن حقّه: أن يُتقى ويُراقب.
ويجوز (?) أن يكون معنى {لَا تُقَدِّمُوا}: لا تفعلوا التقديم بالكلية على أنّ الفعل لم يقصد تعققه بمفعوله، وإن كان متعديًا. قال المولى أبو السعود: وهو أوفى بحق المقام؛ لإفادة النهي عن التلبس بنفس الفعل الموجب لانتفائه بالكليّة، المستلزم لانتفاء تعلقه بمفعوله بالطريق البرهانيّ، وقد جوَّز أن يكون التقديم لازمًا، بمعنى: المتقدم، ومنه: مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منهم، ومنه: وجه بمعنى: توجه. كما مرّ آنفًا.
وقال مجاهد والحسن (?): نزلت الآية في النهي عن الذبح يوم الأضحى قبل الصلاة، كأنه قيل: لا تذبحوا قبل أن يذبح النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وعن عائشة: أنها نزلت في النهي عن صوم يوم الشك، فكأنه قيل: لا تصوموا قبل أن يصوم نبيّكم، وقال قتادة: إنّ ناسًا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا، أو صنع في كذا, ولو نزل كذا وكذا في معنى كذا, ولو فعل الله كذا، وينبغي أن يكون كذا، فكره الله ذلك، فنزلت، وعن الحسن: لمَّا استقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة .. أتته الوفود من الآفاق، فأكثروا عليه بالمسائل، فنهوا عن أن يبتدئوا بالمسألة حتى يكون هو المبتدىء.
والظاهر: أنّ الآية عامة في كل قول وفعل، ولذا حذف مفعول {لَا تُقَدِّمُوا}؛ ليذهب ذهن السامع كل مذهب، مما يمكن تقديمه من قول أو فعل، مثلًا إذا جرت مسألة في مجلسه - صلى الله عليه وسلم - .. لا تسبقوه بالجواب، وإذا حضر الطعام .. لا تبدؤوا بالأكل قبله، وإذا ذهبتم إلى موضع .. لا تمشوا أمامه إلا لمصلحة دعت إليه، ونحو ذلك مما يمكن فيه التقديم.
قيل: لا يجوز تقدّم الأصاغر على الأكابر، إلا في ثلاثة مواضع: إذا ساروا ليلًا أو رأوا خيلًا؛ أي: جيشًا، أو دخلوا سيلًا، أي: ماء سائلًا، وكان