أي: سماه حجة، لبيان أنهم لا حجة لهم البتة؛ لأن من كانت حجته هذا، لا يكون له حجة البتة، كما أن من ابتدأ بالضرب الوجيع في أول التلاقي، لا يكون بينهم تحية البتة، ولا يقصد بهذا الأسلوب إلا هذا المعنى، كأنه قيل: ما كان حجتهم إلا ما ليس بحجة والمراد: نفي أن يكون لهم حجة البتة، وقرأ الجمهور (?): {حُجَّتَهُمْ} بالنصب على أنه خبر {كَانَ} واسمها {إِلَّا أَنْ قَالُوا}، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وزيد بن علي وعبيد بن عمير وابن عامر فيما روى عنه عبد الحميد، وعاصم فيما روى هارون، وحسين عن أبي بكر برفع {حجتُهم} على أنه اسم {كَانَ}.
26 - ثم أمر رسوله أن يرد عليهم فقال: {قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين للبعث {اللَّهِ} سبحانه وتعالى {يُحْيِيكُمْ} ابتداء ما شاء أن يحييكم في الدنيا {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} فيها عند انقضاء آجالكم {ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ} بعد البعث جميعًا أولكم وآخركم، صغيركم وكبيركم، منتهين {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} للجزاء ثم أكد ذلك {لَا رَيْبَ فِيهِ}؛ أي: لا شك في هذا البعث والجمع، فإن من قدر على البدء بقدر على الإعادة، والحكمة اقتضت الجمع للجزاء، لا محالة لتجزى كل نفس بما كسبت، والأديان جميعًا متضافرة على تحققه، وحصوله يوم القيامة، والوعد المصدق بالمعجزات دل على وقوعه حتمًا، والإتيان بآبائهم حيث كان، مزاحمًا للحكمة التشريعية امتنع إيقاعه.
وقصارى ما سلف (?): أن البعث أمر ممكن، أخبر به الأنبياء الصادقون، والحكمة تقتضي حصوله، والعقل يؤيده فهو واقع لا محالة {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} يعني: الكفرة {لَا يَعْلَمُونَ} تحتم البعث والجزاء بمقتضى وعده؛ أي: ينكرون البعث، ويستبعدون عودة الأجساد بعد موتها، وحين تكون عظامًا نخرة، كما قال: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)}؛ أي: يرون وقوعه بعيدًا، والمؤمنون يرونه قريبًا وما دعاهم إلى ذلك إلا جهلهم، وقصر نظرهم، وهذا (?) استدراك