ولأن {الواو} لمطلق الجمع، وقيل: نموت نحن ويحيا فيها أولادنا، وقيل: نكون نطفًا ميتةً، ثم نصير أحياء، وقيل: في الآية تقديم وتأخير؛ أي: نحيا ونموت، وكذا قرأ ابن مسعود. وعلى كل تقدير، فمرادهم بهذه المقالة: إنكار البعث، وتكذيب الآخرة، وقد جوز (?) أن يريدوا به التناسخ، فإنه عقيدة أكثر عبدة الأوثان، قال الراغب: القائلون بالتناسخ قوم ينكرون البعث، على ما أثبتته الشريعة، ويزعمون أن الأرواح تنتقل من الأجساد على التأبيد؛ أي: إلى أجساد أخر. وفي "التعريفات": التناسخ عبارة عن تعلق الروح بالبدن، بعد المفارقة من بدن آخر، من غير تخلل زمان بين التعلقين، للتعشق الذاتي بين الروح والجسد. وقرأ زيد بن علي {ونحيا} بضم النون {وَمَا يُهْلِكُنَا} ويعدمنا، ويفنينا {إِلَّا الدَّهْرُ}؛ أي: إلا مرور الزمان، وهو مدة بقاء العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه، ثم يعبر به عن كل مدة كبيرة، وهو خلاف الزمان، فإن الزمان يقع على المدة القليلة والكثيرة، وقيل: إلا مرور الأيام والليالي، قال مجاهد، يعني السنين والأيام. وقال قتادة: إلا العمر والمعنى واحد. وقال قطرب: وما يهلكنا إلا الموت. وقال عكرمة: وما يهلكنا إلا الله، وقرأ عبد الله: {إلا دهر}، وتأويل إلا دهر يمر، كانوا يضيفون كل حادثة إلى الدهر، وأشعارهم ناطقة بشكوى الدهر، حتى يوجد ذلك في أشعار المسلمين، قال ابن دريد في مقصورته:
يَا دَهْرُ إِنْ لَمْ تَكُ عُتْبَى فَاتَّئِدْ ... فِإِنَّ إِرْوَادَكَ وَالْعُتْبَى سَوَاء
ومجمل المعنى (?): أي وقال المشركون الذين سبق ذكر بعض أوصافهم: لا حياة بعد هذه الحياة، التي نحن نعيش فيها، فنموت وتحيا أبناؤنا من بعدها، وهذا تكذيب صريح منهم للبعث والمعاد.
وقصارى ذلك: ما ثم إلا هذه الدار يموت قوم، ويعيش آخرون، وليس هناك بعث ولا قيامة {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}؛ أي: وما يفنينا إلا مر الليالي