[53]

والأولياء جاؤوا وذهبوا من طريق البلاء، وقد ثبت أن النار لا ترتفع من الدنيا أبدًا، فكيف يؤمل العاقل الراحة في الدنيا، فهي دار محنة، وقد ورد: "الدنيا سجن المؤمن" فالمؤمن لا يستريح في الدنيا، ولا يخلو من قلة أو علة أو ذلة، وله راحة عظمى في الآخرة، والكافر خاسر في الدنيا والآخرة، فعلى العبد أن يمشي على الصراط السوي، ويخاف من الزلق، ومن مكر الله تعالى.

وفي "فتح الرحمن": قال هنا (?): {ثُمَّ كَفَرْتُمْ} عاطفًا بثم، وفي الأحقاف قال: {وكَفَرْتُمْ} عاطفًا بالواو، فما الفرق بين الموضعين قلتُ: عطف هنا بـ {ثُمّ} لأن المعنى: ثم كان عاقبة أمركم بعد الإمهال، للنظر والتدبر الكفر، فناسب ذكر {ثُمَّ} الدالة على الترتيب، وما في الأحقاف لم ينظر فيه إلى ترتيب كفرهم على ما ذكر، بل عطف على {كَفَرْتُمْ} و {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} بالواو، فناسب ذكرها لدلالتها على مطلق الجمع.

والمعنى (?): أي قل أيها الرسول لهؤلاء المكذبين بالقرآن، الذي جئتهم به من عند ربك: أخبروني أيها القوم: إن كان هذا الذي أنتم به تكذبون، من عند ربي، ثم كفرتم به .. أفلا تكونون مفارقين للحق، بعيدين من الصواب، وقد كانوا كلما سمعوا القرآن، أعرضوا عنه، وبالغوا في النفرة منه، حتى قالوا {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ}، فلفت أنظارهم إلى أنه يجب عليهم النظر، والتأمل فيه، فإن دلّ دليل على صحته قبلوه، وإن أرشد إلى فساده تركوه، أما قبل ذلك، فالإصرار على الإعراض والإنكار، بعيدان عن الصواب وعما يحكم به العقل، فما أضلكم وأكثر عنادكم ومشاقتكم للحق واتباعكم للهوى.

وخلاصة ذلك: قل لهم: من أشد ذهابًا عن قصد السبيل، وأسلك لغير طريق الصواب، ممن هو في فراق لأمر الله، وخلاف له، وبعد عنه.

53 - وبعد أن ذكر أدلة التوحيد، والنبوة، أجاب عن شبهات المشركين، وتمويهات الضالين، فقال: {سَنُرِيهِمْ}؛ أي: سنري كفار قريش {آيَاتِنَا}؛ أي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015