ويتذلل، وبدأ بصفة القلب؛ لأنها هي المؤثرة فيما يظهر على الصورة من الانكسار، وبهذا ظهر الفرق بينهما، وقال بعضهم: هما مترادفان وذكرهما معًا للتأكيد.
والحاصل: أن اليأس من صفة القلب، والقنوط إظهار آثاره على ظاهر البدن، اهـ "كرخي"، وهذا صفة الكافر لقوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.
وفي "فتح الرحمن" (?): ولا ينافي ما هنا من قوله: {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} ما سيأتي من قوله: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} لأن المعنى قنوط من الصنم، دعّاء لله، أو قنوط بالقلب دعاء باللسان، أو الأولى في قوم والثانية في آخرين؛ انتهى.
وخلاصة ذلك؛ أن الإنسان متبدل الأحوال، متغير الأطوار، إن أحسّ بخير بطر وتعظم، وإن شعر ببؤس ذل وخضع، فهو شديد الحرص على الجمع، شديد الجزع على الفقد.
50 - ثم ذكر حال هذا اليؤوس القنوط {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ}؛ أي: وعزتي وجلالي، لئن أذقنا الإنسان وأعطيناه {رَحْمَةً مِنَّا}؛ أي: نعمة من عندنا {مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} وأصابته، وذلك بتفريج تلك الضراء عنه، كالمرض والضيق، بالرحمة، كالصحة والسعة {... لَيَقُولَنَّ} ذلك الإنسان: {هَذَا} الخير {لِي}؛ أي: مستحق لي، وصل إليّ؛ لأني استحقه، لما لي من الفضل وعمل البر، فاللام (?): للاستحقاق، أو لي لا لغيري، فلا يزول عني أبدًا، فاللام للاختصاص، فيكون إخبارًا عن لازم الاستحقاق، لا عن نفسه، كما في الوجه الأول، ومعنى الدوام استفيد من لام الاختصاص؛ لأنّ ما يختص بأحدٍ، الظاهر أنه لا يزول عنه، فذلك المسكين لم ير فضل الله، وتوفيقه، فادّعى الاستحقاق في الصورة الأولى، واشتغل بالنعمة عن المنعم، وجهل أن الله تعالى أعطاه ليبلوه أيشكر أم يكفر،