[49]

49 - ثم ذكر سبحانه بعض أحوال الإنسان فقال: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ}؛ أي: لا يمل ولا يضجر {مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ}؛ أي: من دعائه الخير، وطلبه السعة في النعمة وأسباب المعيشة، فحذف الفاعل، وأضيف إلى المفعول، والمعنى: أن الإنسان في حال إقبال الخير إليه، لا ينتهي إلى درجة إلا ويطلب الزيادة عليها، ولا يمل من طلبها أبدًا، وفيه إشارة إلى أن الإنسان مجبول على طلب الخير، بحيث لا يتطرق إليه السآمة فبهذه الخصلة بلغ من بلغ رتبة خير البرية، وبها بلغ من بلغ دركة شر البرية.

والخير هنا (?): المال والصحة والسلطان والرفعة، قال السدي: والإنسان هنا، يراد به الكافر، وقيل: الوليد بن المغيرة، وقيل: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأمية بن خلف، والأولى حمل الآية على العموم، باعتبار الغالب، فلا ينافيه خروج خلص العباد، وقرأ عبد الله بن مسعود {لا يسأم الإنسان من دعاء المال} وفي "البحر المحيط": وقرأ عبد الله {من دعاء بالخير} بباء داخلة على الخير.

والمعنى (?): أي لا يمل الإنسان من دعائه ربه، ومسألته إياه، أن يؤتيه صحة وعافية، وسعة في الرزق، فهو مهما أوتي من المال، فهو لا يقنع، وقد جاء في الأثر: "منهومان لا يشبعان، طالب علم، وطالب مال"، وجاء أيضًا: "لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنّى لهما ثالثًا".

{وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ}؛ أي: وإن أصابه البلاء والشدة والفقر، والمرض الدي أنهك قواه، واضمحل به جسمه {فَيَئُوسٌ} من روح الله وفضله {قَنُوطٌ} من رحمته وإحسانه، وقيل: يؤوس من إجابة دعائه، قنوط بسوء الظن بربه، وقيل: يؤوس من زوال ما به عن لمكروه، قنوط بما يحصل له من ظن دوامه، وهما صيغتا مبالغة، يدلان على أنه شديد اليأس، عظيم القنوط، والفرق بين اليأس والقنوط، أن الياس من صفة القلب، وهو قطع الرجاء من رحمة الله تعالى، والقنوط من صفة البدن، بأن يظهر أثر اليأس في بدنه، فيتضاءل ويحزن وينكسر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015