والتقدير: قل يا محمد لمشركي قومك، الداعين لك إلى عبادة الأصنام، القائلين لك: هو دين آبائك: أتدعونني إلى عبادة الأصنام بعد مشاهدة هذه الآيات، وتأمرونني أن أعبد غير الله أيها الجاهلون، ويجوز أن يكون {غير} منصوبًا بفعل مقدر؛ أي: فتلزمونني غير الله؛ أي: عبادة غير الله، أو أعبد غير الله أعبد، ويجوز أن يكون {غير} منصوبًا بـ {تَأْمُرُونِّي}، و {أَعْبُدُ} بدل اشتمال منه، وأن مضمرة معه أيضًا، أمره الله سبحانه أن يقول هذا للكفار، لما دعوه إلى ما هم عليه من عبادة الأصنام، وقالوا: هو دين آبائك.
وقرأ الجمهور (?): {تَأْمُرُونِّي} بإدغام النون في نون الوقاية، وسكون الياء وفتحها ابن كثير، وقرأ ابن عامر: {تأمرونني} بنونين على الأصل. ونافع: {تأمروني} بنون واحدة مكسورة وفتح الياء، قال ابن عطية: وهذا على حذف النون الواحدة، وهي الموطئة لياء المتكلم، ولا يجوز حذف النون الأولى، وهو لحن؛ لأنها علامة رفع الفعل. انتهى. وفي المسألة خلاف: منهم من يقول: المحذوفة نون الرفع، ومنهم من يقول: نون الوقاية، وليس بلحن؛ لأن التركيب متفق عليه. والخلاف جرى في أيهما حذف، ونختار أنها نون الرفع، ولما كان الأمر بعبادة غير الله لا يصدر إلا من غبي جاهل .. ناداهم بالوصف المقتضي ذلك، فقال: {أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}.
والمعنى (?): أي قل أيها الرسول الكريم لمشركي قومك، الداعين لك إلى عبادة الأصنام، والقائلين لك: هو دين آبائك: أفتأمروني أيها الجاهلون بعد مشاهدتي الآيات الدالة على تفرده سبحانه وتعالى بالألوهية، أن أعبد غيره، والعبادة لا تصلح لشيء سواه.
روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن قريشًا دعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعطوه مالًا فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطَؤُوون عقبه؛ أي: يغطون دعوته ويزيلونها، وقالوا: هذا لك يا محمد، وتكف عن شتم آلهتنا، ولا تذكرها بسوء، قال: حتى انظر ما يأتيني من ربي، فنزل: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} إلى آخر السورة، ونزل: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي}.