عنه، ويضيّقه عليه، ليمتحنه أيصبر أم يقنط؛ أي: يبسط ويقبض من غير أن يكون لأحد مدخل ما في ذلك، حيث حبس عنهم الرزق سبع سنين، ثم بسط لهم سبعًا، روي: أنهم أكلوا في سنين القحط الجيف والجلود والعظام والعلهز، وهو: الوبر: بأن يخلط الدم بأوبار الإبل، ويشوى على النار، وصار الواحد منهم يرى ما بينه وبين السماء كالدخان من الجوع، فلم ينفعهم ذلك، حيث أصرّوا على الكفر والعناد.
والمعنى (?): أي أو لم ير هؤلاء المشركون أن الله هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء تارةً، ويضيق على من يريد أخرى، كما يشاهد من اختلاف الناس في سعة الرزق وضيقه، وليس ذلك لجهل في الكاسب أو علم لديه، فربما كان العاقل القادر ضيق الرزق، والجاهل أو المريض ذا سعةٍ وبسطةٍ في المال.
فائدة: ويرد بهذه الآية على من يرى الغنى من الكيس، والفقر من العجز، أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: "أتدري لم رزقت الأحمق" قال: يا رب لا، قال: "ليعلم العاقل أن طلب الرزق ليس بالاحتيال، فالكل بيد الله تعالى" {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُور} وبه ظهر فساد قول ابن الراوندي:
كَمْ عَاقِلٍ عَاقِلٍ أَعْيَتْ مَذَاهِبُهُ ... وَجَاهِلٍ جَاهِلٍ تَلْقَاهُ مَرْزُوْقَا
هَذَا الَّذِيْ تَرَكَ الأَوْهَامَ حَائِرَةً ... وَصَيَّرَ الْعَالِمَ النِّحْرِيْرَ زِنْدِيْقَا
أي: كافرًا نافيًا للصانع العدل الحكيم، قائلًا: لو كان له الوجود .. لما كان الأمر كذلك، ولقد أحسن من قال:
كَمْ مِنْ أَدِيْبٍ فَهِمٍ عَقْلُهُ ... مُسْتَكْمِلِ الْعَقْلِ مُقِلٍّ عَدِيْمِ
وَمِنْ جَهُوْلٍ مُكْثِرٍ مَالُهُ ... ذَلِكَ تَقْدِيْرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيْمِ
يعني: أن من نظر إلى التقدير .. علم أن الأمور الجارية على أهل العالم كلها على وفق الحكمة، وعلى مقتضى السلمة، ففيه إرشاد إلى إثبات الصانع الحكيم، لا إلى نفي وجوده. {إِنَّ فِي ذَلِكَ} المذكور من البسط والقبض {لَآيَاتٍ} دالةً على أن الحوادث كافةً من الله تعالى بوسطٍ عاديٍّ، أو غيره؛ أي: لدلالات {لِقَوْمٍ