قال السيد الألوسي في "تفسيره" ناعيًا حال المسلمين اليوم: وقد رأينا (?) كثيرًا من الناس على نحو هذه الصفة، التي وصف الله تعالى بها المشركين، يهشون لذكر أموات يستغيثون بهم، ويطلبون منهم، ويطربون من سماع حكايات كاذبة عنهم، توافق أهواءهم ومعتقداتم فيهم، ويعظمون من يحكم لهم ذلك، وينقبضون من ذكر الله تعالى وحده، ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه عز وجل، وسرد ما يدل على عظمته وجلاله، وينفرون ممن يفعل ذلك كل النفرة، وينسبونه إلى ما يكره، وقد قلت يومًا لرجل يستغيث في شدة ببعض الأموات، وينادي: يا فلان أغثني، فقلت له: قل يا الله، فقد قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} فغضب وبلغني أنّه قال: فلان منكر على الأولياء، وسمعت من بعضهم أنه قال: الولي أسرع إجابة من الله عز وجل، وهذا من الكفر بمكان، نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزيغ والطغيان. انتهى.
46 - فعلى العاقل أن لا ينقطع عن الذكر، ويستبشر به، فالله تعالى معه معينه، ولما لم يقبل المتمردون من الكفار ما جاءهم به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدعاء إلى الخير، وصمموا على كفرهم .. أمره الله سبحانه أن يرد الأمر إليه، فقال: {قُلِ} محمد: {اللَّهُمَّ} والميم فيه عوض عن حرف النداء، والمعنى: قل يا محمد: يا الله يا {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} نصب بالنداء؛ أي: يا خالق السموات والأرض على أسلوب بديع {عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}؛ أي: يا عالم كل ما غاب عن العباد وكل ما شهدوه؛ أي: التجىء يا محمد إليه تعالى بالدعاء حين تحيّرت في أمر الدعوة، وضجرت من شدة شكيمتهم في المكابرة والعناد، فإنه القادر على الأشياء بجملتها، والعالم بأحوالها برمتها. {أَنْتَ} وحدك {تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ}؛ أي: بيني وبين قومي، وكذا بين سائر العباد {فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}؛ أي: فيما يختلفون فيه من أمر الدين؛ أي: تحكم حكمًا يسلمه كل مكابر، ويخضع له كل معاند، وهو العذاب الدنيوي أو الأخروي، والثاني أنسب بما بعد الآية.
والمعنى: أي قل يا محمد: يا الله، يا مبدع السموات والأرض، ويا عالم ما غاب عنّا، وما تشهده العيون والأبصار، أنت تحكم بين عبادك، فتفصل بينهم