عبوديته، عبدًا يتشارك فيه جماعة يتجاذبونه، ويتعاورونه في مهماتهم المتباينة في تحسره، وتوزع قلبه. {وَرَجُلًا}؛ أي: وجعل للموحد مثلا رجلًا {سَلَمًا}؛ أي: خالصًا {لِرَجُلٍ} فردٍ وسيدٍ واحدٍ، ليس لغيره عليه سبيل أصلًا، فالتنكير في كل منهما للإفراد؛ أي: فردًا من الأشخاص لفرد من الأشخاص، والسلم: بفتحتين وكقتل وفسق مصدر من سلم له كذا؛ أي: خلص له واختص به كما سيأتي، وُصف به مبالغةً كرجل عدل؛ أي: سالمًا أو ذو سلامة واختصاص به، والرجل ذكر من بني آدم جاوز حد الصغر، وتخصيص الرجل لأنه أنطق، وأفطن وأعرف لما يجرى عليه من الضر والنفع، لأن المرأة والصبي قد يغفلان عن ذلك.
والاستفهام في قوله: {هَلْ يَسْتَوِيانِ} للإنكار؛ أي: ما يستوي الرجلان المذكوران المشترك والمختص {مَثَلًا}؛ أي: من جهة الصفة والحال، نصب على التمييز، والوحدة حيث لم يقل: مثلين لبيان الجنس وإرادته، فيعم؛ أي: هل يستوي حالهما وصفاتهما، يعني: لا يستويان.
والحاصل: أن الكافر كالعبد الأول، في كونه حيران متفرق البال؛ لأنه يعبد آلهة مختلفة؛ أي: أصنامًا لا يجيء منها خير، بل يكون سببًا لوقوعه في أسفل سافلين، كما أن العبد يخدم ملاكا متعاسرين، مختلفي الأهوية، لا يصل إليه منهم منفعة أصلًا. والمؤمن كالعبد الثاني، في انضباط أحواله واجتماع باله، حيث يعبد ربًا واحدًا يوصله إلى أعلى عليين، كما أن العبد يخدم سيدًا واحدًا يرضى عنه، ويصل إليه بالعطاء الجزيل.
وقرأ عبد الله، وابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والزهري، والحسن بخلاف عنه، والجحدري، وابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب (?): {سالما} بالألف وكسر اللام، اسم فاعل من سلم؛ أي: خالصًا عن الشركة، واختار هذه القراءة أبو عبيد، وقرأ الأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، وأبو رجاء، وطلحة، والحسن: بخلاف عنه، وباقي السبعة {سلما} بفتح السين وسكون