[29]

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: غير ذي عوج؛ أي: غير مخلوق، وذلك لأن كونه مقروءًا بالألسنة، ومسموعًا بالآذان، ومكتوبًا في الأوراق، ومحفوظًا في الصدور لا يقتضي مخلوقيته، إذ المراد: كلام الله القديم القائم بذاته. وفي حقائق البقلي: قرآنًا قديمًا ظهر من الحق على لسان حبيبه، لا يتغير بتغير الزمان، ولا يرهقه غبار الحدثان، لا تعوجه الحروف، ولا تحيط به الظروف، وفي «بحر الحقائق»: صراطًا مستقيمًا إلى حضرتنا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وقوله: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}؛ أي: لكي يتقوا بالقرآن عما نهاهم الله تعالى، علة أخرى مترتبة على الأولى، فإن المصلحة في ضرب الأمثال هو التذكر والاتعاظ بها أولًا، ثم تحصيل التقوى، والمعنى: لعلهم يعملون عمل أهل التقوى في المحافظة على حدود الله تعالى في القرآن، والاعتبار بأمثاله.

والمعنى: وعزتي وجلالي، قد بينا (?) لهؤلاء المشركين بالله، أمثال القرون الخالية، تخويفا لهم، وتحذيرا ليتعظوا، ويزدجروا، ويقلعوا عما هم عليه، مقيمون من الكفر بربهم، بكلام عربي لا لبس فيه، ولا اختلاف ليفهموا ما فيه من مواعظ، ويعتبروا بما فيه من حكم، فيتقوا ما حذرهم فيه من بأسه وسطوته، وينيبوا إليه، ويفردوه بالعبادة، ويتبرؤوا من الآلهة والأنداد.

29 - ثم أورد سبحانه مثلًا من تلك الأمثال، فقال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا}؛ أي: بيّن الله تمثيل حالةٍ عجيبة، بأخرى مثلها، ثم بيّن المثل، فقال: {رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ} والمراد (?) بضرب المثل هنا: تطبيق حالة عجيبة بأخرى مثلها، كما مر في أوائل سورة يس. و {مَثَلًا} مفعول ثان لضرب، و {رَجُلًا} مفعوله الأول، أخر عن الثاني للتشويق إليه، وليتصل به ما هو من تتمته التي هي العمدة في التمثيل. و {فِيهِ} خبر مقدم لقوله: {شُرَكاءُ}، والجملة في حيز النصب على الوصفية لرجلا، ومعنى {مُتَشاكِسُونَ}؛ أي: مختلفون عسروا الأخلاق سيئوها. والمعنى: جعل الله تعالى للمشرك مثلا، حسبما يقود إليه مذهبه من ادعاء كل من معبوديه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015