الله، من حيث هو كلام الله القديم، القائم بذاته.
واعلم (?): أن استماع القول عند العارفين، يجري في كل الأشياء. فالحق تعالى، يتكلم بكل لسان من العرش إلى الثرى، ولا يتحقق بحقيقة سماعه، إلا أهل الحقيقة، وعلامة سماعهم انقيادهم إلى كل عمل مقرب إلى الله من جهة التكليف، المتوجه على الأذن، من أمر أو نهي، كسماعه للعلم والذكر والثناء على الحق تعالى، والموعظة الحسنة، والقول الحسن، والتصامم عن سماع الغيبة والبهتان، والسوء من القول، والخوض في آيات الله، والرفث، والجدل، وسماع القيان، وكل محرم وملاه حجر الشارع عليه سماعه، فإذا كان كذلك كان مفتوح الأذن إلى الله تعالى.
{أُولئِكَ} المنعوتون بالمحاسن الجميلة، وهو مبتدأ، خبره قوله: {الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ} سبحانه للدين الحق، والاتصاف بمحاسنه؛ أي: هؤلاء الموصوفون بما ذكرهم، الذين وفقهم الله تعالى للرشاد وإصابة الصواب، لا الذين يعرضون عن سماع الحق، ويعبدون ما لا يضر ولا ينفع. {وَأُولئِكَ} المذكورون {هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ}؛ أي: أصحاب العقول السليمة، والفطر المستقيمة التي لا تطيع الهوى، ولا يغلبها الوهم، المستحقون للهداية لا غيرهم، فتختار خير الأمرين في دينها ودنياها.
وفي الكلام (?): دلالة على أن الهداية تحصل بفضل الله تعالى، وقبول النفس لها، يعني: أن لكسب العبد مدخلًا فيها بحسب جري العادة، وفيه إشارة إلى أن أولئك القوم، هم الذين عبروا عن قشور الأشياء، ووصلوا إلى لباب حقائقها.
19 - ثم بيّن أضداد المذكورين أولًا، وسجل عليهم الحرمان من الهداية، فقال: {أَفَمَنْ حَقَّ} ووجب {عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ} وقضاؤه {أَفَأَنْتَ} يا محمد {تُنْقِذُ} وتخرج {مَنْ فِي النَّارِ} وهذا بيان لأحوال عبدة الطاغوت بعد بيان أحوال