{ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها} إن قلت: كيف (?) عطف بـ {ثُمَّ} مع أن خلق حواء من آدم سابق على خلقنا منه؟ أجيب: بأن {ثُمَّ} هنا للترتيب في الإخبار، لا في الإيجاد، أو المعطوف متعلق بمعنى واحد، فـ {ثُمَّ} عاطفة لا على {خَلَقَكُمْ}، فمعناه: خلقكم من نفس أفردت بالإيجاد، ثم شفعت بزوج، أو هو معطوف على {خَلَقَكُمْ} لكن المراد بـ {خلقهم}: خلقهم يوم أخذ الميثاق دفعة، لا على هذا الخلق الذي هم فيه الآن بالتوالد والتناسل، وذلك لأن الله تعالى، خلق آدم عليه السلام ثم أخرج أولاده من ظهره كالذر، وأخذ عليهم الميثاق، ثم ردهم إلى ظهره ثم خلق منه حواء، اهـ كرخى.
{سُبْحانَهُ} مصدر (?) من سبح إذا بعد؛ أي: تنزه تعالى بالذات عن ذلك الاتخاذ، وعما نسبوا إليه من الأولاد والأولياء، وعلم للتسبيح مقول على ألسنة العباد؛ أي: أسبحه تسبيحًا لائقًا به، أو سبحوه تسبيحًا حقيقًا بشأنه.
{ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ} ويقال لها: الأزواج الثمانية؛ لأن ذكر كل واحد من هذه الأنواع زوج بأنثاه، وأنثاه زوج بذكره، فيكون مجموع الأزواج ثمانية بهذا الاعتبار، من الضأن: اثنين، ومن المعز: اثنين، ومن الإبل: اثنين، ومن البقر: اثنين. والخيل، والبغال، والحمير خارجة من الأنعام، قال في «بحر العلوم»: الواحد إذا كان وحده فهو فرد، وإذا كان معه غيره، من جنسه، سمي كل واحد منهما زوجًا، فهما زوجان، بدليل قوله تعالى: {خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى}، وعند الحساب: الزوج خلاف الفرد، كالأربعة والثمانية في خلاف الثلاثة والسبعة.
{فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ}؛ أي: في أرحامهن. جمع أم، زيدت الهاء فيه كما زيدت في أهراق من أراق. {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}؛ أي: فكيف تصرفون، وتردون عن ملازمة بابه بالعبودية، إلى باب عاجز مثلكم من الخلق. {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} أصله: يرضاه على أن الضمير عائد إلى الشكر، حذف الألف علامة للجزم. وهو باختلاس ضمة الهاء، عند أهل المدينة وعاصم وحمزة، وبإسكان الهاء، عند أبي