{لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ} متعلق بـ {أَنْزَلْناهُ}؛ أي: أنزلناه ليتفكروا في آياته بالفكر السليم، فيعرفوا ما يتّبع ظاهرها من المعاني الفائقة، والتأويلات اللائقة؛ أي: ليتفكروا في معاني آياته، ويتأملوا فيها، وفي الآية دليل على أن الله سبحانه، إنما أنزل القرآن للتدبر والتفكر في معانيه، لا لمجرد التلاوة، بدون تدبر. وقرأ الجمهور (?): {لِيَدَّبَّرُوا} بياء الغيبة وشد الدال، وأصله: {ليتدبروا}. وقرأ علي رضي الله عنه بهذا الأصل. وقرأ أبو جعفر، وشيبة {لتدبروا} بتاء الخطاب، وتخفيف الدال، وجاء كذلك عن عاصم، والكسائي بخلاف عنهما، والأصل: لتتدبروا بتاءين، فحذفت إحداهما على الخلاف الذي فيها، أهي تاء المضارعة، أم التاء التي تليها؟.
{وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ}؛ أي: وليتعظ به أصحاب العقول الخالصة عن شوب الوهم. عمم (?) التدبر لعموم العلماء، وخص التذكر بخصوص للعقلاء؛ لأن التدبر للفهم، والتذكر لوقوع الإجلال، والخشية الخاص بأكابر أهل العلم.
فعلم (?) أن المقصود من كلام الحق التفكر، والتذكر والاتعاظ به، لا حفظ الألفاظ فقط، وكان الصحابة يكتفون ببعض السور القرآنية، ويشتغلون بالعمل بها، فإن المقصود من القرآن العمل به.
والمعنى (?): أي أنزلنا إليك هذا الكتاب، النافع للناس، المرشد لهم، إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم في دينهم ودنياهم، الجامع لوجوه المصالح، ليتدبرها أولوا الحجا، الذين قد أنار الله بصائرهم، فاهتدوا بهديه، وسلكوا في أعمالهم ما أرشد إليه، وتذكروا مواعظه وزواجره، واعتبروا بمن قبلهم، فارعووا عن مخالفته، حتى لا يحل بهم مثل ما حل بالغابرين، ويستأصلهم كما استأصل السابقين، ممن بغوا في الأرض فسادا، وما تدبره بحسن تلاوته، وجودة ترتيله، بل بالعمل بما فيه، واتباع أوامره ونواهيه، ومن ثم قال الحسن البصري: قد قرأ