معلوم من الشرائع كلها، إذ لا يحكم الحاكم إلا بعد إجابة المدعى عليه؛ أي: قال داود للمدعي: {لَقَدْ ظَلَمَكَ} أخوك. جواب قسم محذوف، قصد به - عليه السلام - المبالغة في إنكار فعل صاحبه، وتهجن طمعه، في نعجة من ليس له غيرها، مع أن له قطيعًا منها؛ أي: والله لقد ظلمك أخوك {بِسُؤالِ} إضافة {نَعْجَتِكَ} الواحدة {إِلى نِعاجِهِ} التسع والتسعين. والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله، وتعديته إلى مفعول آخر بـ {إِلى} لتضمنه معنى الإضافة والضم، كأنه قيل: بضم نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب. قال النحاس: ويقال: إن خطيئة داود هي قوله: {لَقَدْ ظَلَمَكَ}؛ لأنه قال ذلك قبل أن يتثبّت، وفي هذا إشارة، إلى أن الظلم في الحقيقة من شيم النفوس، فإن وجدت ذا عفة، فالعلة كما قال يوسف: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي} الآية، فالنفوس جُبلت على الظلم، والبغي، وسائر الصفات الذميمة، ولو كانت نفوس الأنبياء عليهم السلام، كذا في «التأويلات النجمية»، يقول الفقير: هذا بالنسبة إلى أصل النفوس وحقيقتها، وإلا فنفوس الأنبياء مطمئنة، لا أمارة، كما مر بسط الكلام على ذلك، في سورة يوسف.
{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطاءِ}؛ أي: الشركاء الذين خلطوا أموالهم، جمع خليط كظريف وظرفاء، والخلطة: الشركة، وقد غلبت في الماشية {لَيَبْغِي}؛ أي: ليتعدى {بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ} ويظلمه غير مراع لحق الصحبة والشركة، وهذا من كلام داود، يدل على أن زمانه كان فيه الظلم والاعتداء كثيرًا، وقرىء {ليبغي} بفتح الياء، على تقدير حذف النون الخفيفة، وأصله: ليبغين كقوله: إضرب عنك الهموم طارقها. يريد اضربن. ويكون على هذا القراءة، على تقدير قسم محذوف، ذلك القسم وجوابه خبر لـ {إِنَّ}. وعلى قراءة الجمهور يكون: {لَيَبْغِي} خبرًا لـ {إِنَّ}. وقرىء {ليبغ} بحذف الياء كقوله: محمد تفد نفسك كل نفس؛ أي: تفدى على أحد القولين. {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} منهم. فإنهم يجتنبون عن البغي، والعدوان {وَقَلِيلٌ ما هُمْ}؛ أي: وهم قليل، فهم مبتدأ، و {قَلِيلٌ} خبره قدم عليه للاهتمام به، وإنما أفرد تشبيها بفعيل، بمعنى مفعول. و {ما} مزيدة لتأكيد القلة، أو للإبهام أو التعجب من قلة الموصوفين بالإيمان، وصالح العمل. {وَظَنَ