والمعنى: أي وأعرض أيها الرسول عن هؤلاء المشركين، وخلهم وفريتهم على ربهم، إلى أن يأذن بهلاكهم، وانظر إليهم فسوف يرون ما يحل بهم من عقابنا حين لا تنفعهم التوبة.
180 - ثم ختم سبحانه السورة، بخاتمة شريفة جامعة، لتنزيهه تعالى عما لا يليق به، مع وصف نفسه بصفات الكمال، ومدحه للرسل الكرام، فقال: {سُبْحانَ رَبِّكَ} يا محمد. خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والإضافة فيه للتشريف، وقوله: {رَبِّ الْعِزَّةِ} بدل من الأول {عَمَّا يَصِفُونَ}؛ أي: نزّه يا محمد (?) من هو مربيك، ومكملك، ومالك العزة والغلبة والقوة على الإطلاق، عما يصفه المشركون به مما لا يليق بجناب كبريائه من الأولاد، والأزواج، والشركاء، وغير ذلك من الأشياء، التي من جملتها ترك نصرتك عليهم، كما يدل عليه استعجالهم بالعذاب، قال في «بحر العلوم»: أضاف الرب إلى العزة لاختصاصه بها، كأنه قيل: ذي العزة كقولك:
صاحب صدق لاختصاصه بالصدق، فلا عزة إلا له سبحانه، على أن العزة ذاتية، أو لمن أعزه من الأنبياء وغيرهم، فالعزة حادثة كائنة بين خلقه، وهي وإن كانت صفة قائمة بغيره تعالى، إلا أنها مملوكة له مختصة به، يضعها حيث يشاء، كما قال تعالى: {وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ}. وفيه إشعار بالسلوب والإضافات، كما في قوله تعالى: {تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78)}. وذلك أن قوله: {سُبْحانَ} إشارة إلى السلوب كالجلال، فإن كلا منهما يفيد ما أفاد الآخرة في قولنا: سبحان ربنا عن الشريك والشبيه، وجل ربنا عنهما، وقوله: {رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} إشارة إلى الإضافات كالإكرام، وإنما قدم السلب على الإضافة، لأن السلوب كافية فيها ذاته، من حيث هو هو، بخلاف الإضافات، فإنه لا بد في تحققها من غيره؛ لأن الإضافة لا توجد إلا عند وجود المضافين.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: {سُبْحانَ اللَّهِ} كلمة مشتملة على سلب النقص والعيب عن ذات الله وصفاته، فما كان من أسمائه سلبًا فهو مندرج