انحط من الجبل، فقام عند إبراهيم، فأخذه فذبحه، ثم اعتنق ابنه، وقال: يا بني اليوم وهبت لي. وروي: أنه لما ذبحه قال جبرائيل: الله أكبر الله أكبر، فقال الذبيح: لا إله إلا الله والله أكبر، فقال إبراهيم: الله أكبر ولله الحمد، فبقي ذلك سنة في الإسلام. والفادي في الحقيقة هو إبراهيم. وإنما قال: {وَفَدَيْناهُ}؛ لأن الله هو المعطي له، والآمر به على التجوز في الفداء أو الإسناد.
وقيل المعنى: وفديناه بوعل أهبط عليه من جبل ثبير، قاله الحسن البصري، فإنه قال: ما فدي إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير، فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه. قال الزجاج: قد قيل: إنه فدي بوعل، والوعل: التيس الجبلي.
ومعنى الآية: جعلنا الذبح فداءً له، وخلصناه به من الذبح، لكن ولا علينا أن نزيد على ما جاء به الكتاب، ومكان نزوله لا يهم في بيان هذه المنة التي امتن بها عليه، والذبح بالكسر: اسم للمذبوح، وجمعه ذبوح كالطحن اسم للمطحون، وبالفتح: المصدر، ومعنى {عَظِيمٍ}: عظيم القدر، ولم يرد عظم الجثة، وإنما عظم قدره لأنه فدي به نبي ابن نبي، وأي نبي من نسله سيد المرسلين. وقيل معنى {عَظِيمٍ}؛ أي: عظيم الجثة سمين، وهي السنة في الأضاحي، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عظّموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم».
108 - ثم ذكر أنه منّ عليه بمنة أخرى، فقال: {وَتَرَكْنا عَلَيْهِ}؛ أي: على إبراهيم؛ أي: أبقينا له ذكرًا حسنًا، وثناءً جميلًا {فِي الْآخِرِينَ}؛ أي: في الأمم المتأخرة التي تأتي بعده إلى يوم القيامة، فصار محببًا بين الناس جميعًا من كل ملة ومذهب، فاليهود يجلّونه، والنصارى يعظمونه، والمسلمون يبجّلونه، والمشركون يحترمونه، ويقولون: إنا على ملة أبينا إبراهيم. وذلك استجابة لدعوته حين قال: {وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)}.
109 - ثم ذكر أنه منّ عليه بمنة ثالثة، فقال: {سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109)}؛ أي: وقلنا له: عليك السلام في الملائكة، والإنس والجن. أو (?) المعنى؛ أي: تركنا على