الحيوان، فتنبت أجسامهم كما ينبت البقل، وتأكل الأرض ابن آدم إلا عجب الذنب، فإنه يبقي مثل عين الجرادة، لا يدركه الطرف، فينشأ الخلق من ذلك، وتركب عليه أجزاؤه كالهباء في شعاع الشمس. فإذا تكاملت الأجساد، يحيي الله تعالى إسرافيل، فينفخ في الصور، فيطير كل روح إلى جسده، ثم ينشق عنه القبر.
{فَإِذا هُمْ} بغتة من غير لبث؛ أي: الكفار، كما دل عليه ما بعد الآية {مِنَ الْأَجْداثِ}؛ أي: من القبور. فإن قيل: أين يكون في ذلك الوقت الأجداث، وقد زلزلت الصيحة الجبال؟ أجيب: بأن الله تعالى، يجمع أجزاء كل ميت في الموضع الذي أقبر فيه، فيخرج من ذلك الموضع. وهو جدثه. وقرأ الجمهور {الْأَجْداثِ} بالثاء المثلثة. وقرىء {من الأجداف} بالفاء بدل الثاء، وهما لغتان، واللغة الفصيحة بالثاء المثلثة. {إِلى رَبِّهِمْ}؛ أي: دعوة ربهم، ومالك أمرهم على الإطلاق. وهي دعوة إسرافيل للنشور، أو إلى موقف ربهم الذي أعد للحساب والجزاء. وقد صح أن بيت المقدس هي أرض المحشر والمنشر. وكل من الجارين متعلق بقوله: {يَنْسِلُونَ} كما دل عليه قوله: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعًا}؛ أي: يسرعون بطريق الإجبار دون الاختيار، لقوله تعالى: {لَدَيْنا مُحْضَرُونَ}. وقرأ الجمهور: {يَنْسِلُونَ} بكسر السين، وابن أبي إسحاق وأبو عمرو بخلاف عنه بضمها. وإذا المفاجأة بعد قوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} إشارة إلى كمال قدرته تعالى، وإلى أن مراده لا يتخلف عن إرادته زمانًا، حيث حكم بأن النسلان وهو سرعة المشي، وشدة العدو يتحقق في وقت النفخ، لا يتخلف عنه مع أن النسلان لا يكون إلا بعد مراتب. وهي جمع الأجزاء المتفرقة، والعظام المتفتتة، وتركيبها، وإحياؤها وقيام الحي ثم نسلانه.
فإن قلت: قال تعالى في آية أخرى: {فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ}، وقال هاهنا: {فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} والقيام غير النسلان، وقد صدر كل واحد منهما في موضعه بـ {إذا} الفجائية، فيلزم أن يكونا معًا؟
والجواب من وجهين: