تعالى: {وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} وقيل: تعريفه للعهد الخارجي، والمراد: فلك نوح عليه السلام، المذكور في قوله: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا}، فيكون المعنى: أنا حملنا ذريتهم؛ أي: أولادهم إلى يوم القيامة، في ذلك الفلك المشحون منهم، ومن سائر الحيوانات التي تعيش في الماء، ولولا ذلك لما بقي للآدمي نسل ولا عقب. وخلقنا لهم من مثله؛ أي: مما يماثل ذلك الفلك في صورته وشكله من السفن والزوارق والبواخر، قاله الحسن، والضحاك، وأبو مالك. قال النحاس: وهذا أصح؛ لأنه متصل الإسناد عن ابن عباس.

فإن قلت (?): فعلى هذا لم لم يقل: حملناهم وذريتهم مع أن أنفسهم محمولون أيضًا؟

قلت: إشارة إلى أن نعمة التخليص عامة لهم ولأولادهم إلى يوم القيامة. ولو قيل: حملناهم لكان امتنانا بمجرد تخليص أنفسهم من الغرق، وجعل السفن مخلوقة لله تعالى مع كونها من مصنوعات العباد، ليس لمجرد كونها صنعتهم بإقدار الله تعالى وإلهامه، بل لمزيد اختصاص أهلها بقدرته تعالى وحكمته، حسبما يعرب عنه قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا}. والتعبير عن ملابستهم بهذه السفن بالركوب؛ لأنها باختيارهم، كما أن التعبير عن ملابسة ذريتهم، بفلك نوح، بالحمل، لكونها بغير شعور منهم واختيار. وأما قوله تعالى في سورة المؤمنين: {وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22)} فبطريق التغليب.

وجعل بعضهم المعنى الثاني أظهر؛ لأنه إذا أريد بمثل الفلك: الإبل لكان قوله: {وَخَلَقْنا لَهُمْ} إلخ، فاصلًا بين متصلين، لأن قوله: {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ} متصل بالفلك. واعتذر عنه في الإرشاد بأن حديث خلق الإبل في خلال الآية بطريق الاستطراد، لكمال التماثل بين الإبل والفلك، فكأنها نوع منه.

والمعنى: ومن آيات (?) قدرته الدالة على رحمته بعباده، أن جعل أولادهم يركبون السفن الموقرة، بسائر السلع التي ينقلونها من بلد إلى آخر، ليستفيدوا مما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015