قراءة {وما عملت} بلا هاء، فإن حذف العائد من الصلة أحسن من الحذف من غيرها. والأيدي في قوله: {أَيْدِيهِمْ} كناية عن القوة، لأن أقوى جوارح الإنسان في العمل يده، فصار ذكر اليد غالبًا في الكناية، ومثله {ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ}.
وقرأ الجمهور (?): {وَما عَمِلَتْهُ} بالضمير، فإن كانت {مَا} موصولة فالضمير عائد عليها، وإن كانت نافية فالضمير عائد على الثمر. وقرأ طلحة، وعيسى وحمزة، والكسائي، وأبو بكر بغير ضمير. ومفعول {عملت} على كلا التقديرين محذوف. وجوز في هذه القراءة أن تكون {ما} مصدرية؛ أي: وعمل أيديهم، وهو مصدر أريد به المعمول، فيعود إلى معنى الموصول.
والمعنى (?): أي وأنشأنا في هذه الأرض التي أحييناها، بساتين من نخيل وأعناب، وجعلنا فيها أنهارًا سارحة، في أمكنة تنشر فيها، ليأكلوا من ثمر الجنات، ومما عملت أيديهم مما غرسوا وزرعوا.
ولما عدد سبحانه هذه النعم .. حض على الشكر، فقال: {أَفَلا يَشْكُرُونَ}؛ أي: أفلا يشكرون خالق هذه النعم، على ما تفضل به عليهم، من نعم لا تعد ولا تحصى. وهو إنكار واستقباح لعدم شكرهم النعم المعدودة. والهمزة فيه للاستفهام التوبيخي، داخلة على مقدر يقتضيه المقام، والفاء: عاطفة على ذلك المقدر، والتقدير (?): أيرون هذه النعم أو أيتنعمون بها فلا يشكرونها بالتوحيد والتقديس والتحميد، فيرجعون عن عبادة غير الله تعالى. وفي ذلك استدلال على وحدانية الله تعالى، وتعداد للنعم. فالأرض مكان لهم لا بد لهم منها، فهي نعمة، ثم إحياؤها بالنبات نعمة ثانية، فإنها تصير أنزه، ثم إخراج الحب منها نعمة ثالثة، فإن قوتهم يصير في مكانهم، ثم جعل الجنان فيها نعمة رابعة؛ لأن الأرض تنبت الحب في كل سنة. وكل ذلك مفيد إلى بيان إحياء الموتى. فيقول الله تعالى: كما فعلنا في موات الأرض كذلك نفعل في الأموات