عددها، من قولهم: عدَّ الدراهم فاعتدها؛ أي: استوفى عددها.
وقرأ ابن كثير في رواية عنه، وأهل مكة: بتخفيفها، وفي هذه القراءة وجهان:
أحدهما: أن تكون بمعنى الأولى مأخوذة من الإعتداد؛ أي: تستوفون عددها, ولكنهم تركوا التضعيف لقصد التخفيف.
والوجه الثاني: أن يكون المعنى: تعتَدُون فيها، والمراد بالإعتداء هذا: هو ما في قوله: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}، فيكون الآية على القراءة الأخيرة: فما لكم عليهن من عدة تعتدون عليهن فيها بالمضارة. وقد أنكر ابن عطية صحة هذه القراءة عن ابن كثير، وقال: إن البزي غلط عليه.
وهذه الآية مخصصة لعموم قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}، وبقوله: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ}. وتخصص من هذه الآية المتوفى عنها زوجها، فإنه إذا مات بعد العقد عليها، وقبل الدخول بها .. كان الموت كالدخول، فتعتد أربعة أشهر وعشرًا.
{فَمَتِّعُوهُنَّ}؛ أي: فأعطوهن المتعة، وهي: درع وخمار وملحفة، كذا قيل. وهو محمول على إيجاب المتعة إن لم يسم لها مهر عند العقد، وعلى استحبابها إن سمي ذلك، فإنه إن سمي المهر عنده، وطلق قبل الدخول، فالواجب نصفه دون المتعة، كما قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}؛ أي: فالواجب عليكم نصف ما سميتم لهن من المهر.
{وَسَرِّحُوهُنَّ}؛ أي: أخرجوهن من منازلكم؛ إذ ليس لكم عليهن من عدة {سَرَاحًا جَمِيلًا}؛ أي: إخراجًا حسنًا، أي: من غير ضرار ولا منع حق. وقيل: السراح الجميل: أن لا يطالبها بما كان قد أعطاها. وفي "كشف الأسرار": معنى الجميل: أن لا يكون الطلاق جور الغضب، أو طاعة لغيره، وأن لا يكون ثلاثًا بتًا، أو لمنع صداق، انتهى. والمراد بالسراح هنا: الإخراج من المنازل كما سبق، ولا يصح تفسير السراح بالطلاق السني, لأنه إنما يتسنى في المدخول بها، والضمير لغير المدخول بها.
وفي "التأويلات النجمية": وفي الآية إشارة إلى كرم الأخلاق، يعنى: إذا نكحتم المؤمنات، ومالت قلوبهن إليكم، ثم آثرتم الفراق قبل الوصال، فكسرتم