قال ابن عطية: والذي يظهر لي أنه أشار إلى الجاهلية التي لحقنها، فأمرن بالنقلة عن سيرتهن فيها، وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفرة؛ لأنهم كانوا لا غيرة عندهم، وليس المعنى: أن ثم جاهلية أخرى، كذا قال، وهو قول حسن. ويمكن أن يراد بالجاهلية الأخرى: ما يقع في الإِسلام من التشبه بأهل الجاهلية بقول أو فعل، فيكون المعنى: ولا تبرجن أيها المسلمات بعد إسلامكن تبرجًا مثل تبرج أهل الجاهلية التي كنتن عليها، وكان عليها من كان قبلكن؛ أي: لا تحدثن بأفعالكن وأقوالكن جاهلية تشابه الجاهلية التي كانت من قبل.

والحاصل: أن الله سبحانه أمرهن (?) بملازمة بيوتهن، ونهاهن عن التبرج. وأعلم تعالى أنه فعل الجاهلية الأولى، وكانت عائشة رضي الله عنها إذا قرأت هذه الآية بكت، حتى تبل خمارها، تتذكر خروجها أيام الجمل تطلب بدم عثمان. وقيل لسودة: لِمَ لا تحجين وتعتمرين، كما يفعل إخوانك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله تعالى أن أقر في بيتي، فما خرجت من باب حجرتها، حتى أخرجت جنازتها، كما مرَّ.

وبعد أن نهاهن عن الشر .. أمرهن بالخير فقال: {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ} التي هي أصل الطاعات البدنية {وَآتِينَ الزَّكَاةَ} التي هي أشرف العبادات المالية؛ أي: إن كان لكن مال، كما في تفسير أبي الليث. {وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في سائر الأوامر والنواهي، فهو تعميم بعد تخصيص، وقال بعضهم: أطعن الله في الفرائض، ورسوله في السنن.

والمعنى (?): أي وأدين الصلاة على الوجه القيم المعتبر شرعًا، وأعطين زكاة أموالكن، كما أمركن الله. وخَصَّ هاتين العبادتين بالذكر لما لهما من كبير الآثار في طهارة النفس، وطهارة المال، وأطعن الله ورسوله فيما تأتين، وما تذرين، واجعلن نصب أعينكن اتباع الأوامر، وترك النواهي.

ثم ذكر السبب في هذه الأوامر والنواهي على وجه عام، فقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى بتلك الأوامر والنواهي {لِيُذْهِبَ} ويزيل {عَنْكُمُ الرِّجْسَ}؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015