والتجاءً بك، يقال: غشي على فلان: إذا نابه ما غشي فهمه وستر عقله، كما سيأتي؛ أي: تدور أعينهم كدوران عين الذي غشيته أسباب الموت، وأحاطت به سكراته، فيذهل عن كل شيء، ويذهب عقله، ويشخص بصره، فلا يطرف، كذلك هؤلاء، تشخص أبصارهم لما يلحقهم من الخوف، ويقال للميت إذا شخص بصره: دارت عيناه، ودارت حماليق عينيه.
والمعنى: أي (?) فإذا بدأ الخوف بِكَرِّ الشجعان وفرِّهم في ميدان القتال .. رأيتهم ينظرون إليك، وقد دارت أعينهم في مواضعها، فرقًا وخوفًا، كدوران عين الذي قرب من الموت، وعشيته أسبابه، فإنه إذ ذاك يذهب نبه وعقله، ويشخص بصره، فلا يتحرك طرفه.
3 - {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ} وحصل الأمن من العدو وجمعت الغنائم .. {سَلَقُوكُمْ}؛ أي: جرحوكم وآذوكم {بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ}؛ أي: بألسنة سليطةٍ ذربةٍ بذيةٍ خفيفة الحياء، جهروا فيكم بالسوء من القول، قال قتادة: ومعنى الآية: بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة، وقالوا: وفروا لنا قسمتنا وسهمنا، فإنا قد ساعدناكم، وقاتلنا معكم، وبمكاننا غلبتم عدوكم، وبنا نصرتم عليه.
وقرأ الجمهور (?): {سَلَقُوكُمْ} بالسين، وابن أبي عبلة: بالصاد.
أي: فإذا كان الأمن .. تكلموا فصيح الكلام، وفخروا بما لهم من المقامات المشهودة في النجدة والشجاعة، وهم في ذلك كاذبون، قال قتادة: أما عند الغنيمة فأشح قوم، وأسوؤهم مقاسمةً، يقولون: أعطونا أعطونا، قد شهدنا معكم، وأما عند البأس فأجبن قوم، وأخذَ لُهم للحق. اهـ.
ثم بيّن ما دعاهم إلى بسط ألسنتهم فيهم، فقال: {أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ}: حال من فاعل سلقوكم؛ أي: طعنوكم بألسنةٍ حدادٍ؛ أي: مؤثرة في الإعراض تأثير الحديد في الأجسام، حالة كونهم بخلاء على المال، حريصين على أخذ الغنائم.