لو كانت بيوتهم مختلة بالكلية، ودخلها كل من أراد الخبث والفساد، {ثُمَّ سُئِلُوا} من جهة طائفة أخرى عند تلك النازلة {الْفِتْنَةَ}؛ أي: الردة والرجعة إلى الكفر مكان ما سئلوا من الإيمان والطاعة .. {لَآتَوْهَا} بالمد؛ أي: لأعطوا تلك الفتنة السائلين لها؛ أي (?): أعطوهم مرادهم غير مبالين بما دهاهم من الداهية والغارة بالقصر؛ أي: لفعلوا تلك الفتنة وجاؤوا بها.
{وَمَا تَلَبَّثُوا}؛ أي: وما مكثوا وما تأخروا عن الإتيان بتلك الفتنة {إِلَّا}، زمنًا {يَسِيرًا}؛ أي؛ قليلًا قدر ما يسمع السؤال والجواب، فضلًا عن التعلل باختلال البيوت مع سلامتها، كما فعلوا الآن، وما ذلك إلا لمقتهم الإِسلام، وشدة بغضهم لأهله، وحبهم بالكفر وأهله، وتهالكهم على حزبه.
والمعنى (?): لو دخل هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم، وهم الأحزاب، من نواحي المدينة وجوانبها، أو دخلوا بيوتهم من جوانبها جميعًا، لا من بعضها، ونزلت بهم هذه النازلة الشديدة، واستبيحت ديارهم، وهتكت حرمهم ومنازلهم، ثم سئلوا الفتنة والردة والرجعة إلى الكفر، الذي يبطنونه ويظهرون خلافه من جهة أخرى، عند نزول هذه النازلة الشديدة بهم .. لآتوها؛ أي: لجاؤوا، وفعلوا تلك الفتنة، أو أعطوا تلك الفتنة لسائلها، وما تلبثوا وجلسوا بها؛ أي: بالمدينة بعد أن أتوا الفتنة إلا تلبثًا يسيرًا حتى يهلكوا، كذا قال الحسن والسدي والفراء والقتيبي، وقال أكثر المفسرين: إن المعنى: وما احتبسوا عن فتنة الشرك إلا قليلًا، بل هم مسرعون إليها، راغبون فيها, لا يقفون عنها إلا قدر زمن وقوع السؤال لهم، ولا يتعللون عن الإجابة بأن بيوتهم في هذه الحالة عورة، مع أنها قد صارت عورة على الحقيقة، كما تعللوا عن إجابة الرسول والقتال معه بأنها عورة، ولم تكن إذ ذاك عورة.
وقال ابن عطية: والمعنى: ولو دخلت المدينة من أقطارها، واشتد الحرب الحقيقي، ثم سئلوا الفتنة، والحرب لمحمد - صلى الله عليه وسلم - .. لطاروا إليها، وأتوها