وفيه التأنيث أيضًا، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تسمى المدينة بيثرب، وقال: "هي طيبة أو طابة والمدينة"كأنه كره هذا اللفظ, لأن يثرب يفعل من التثريب، وهو التقريع والتوبيخ واللوم، الذي لا يستعمل إلا فيما يكره غالبًا، ولذلك نفاه يوسف عليه السلام، حيث قال لإخوته: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}، وكأن المنافقين ذكروها بهذا الاسم مخالفةً له - صلى الله عليه وسلم -، فحكى الله عنهم كما قالوا.
وقال الإِمام السهيلي: سميت يثرب لأن الذي نزلها من العماليق اسمه يثرب بن عبيل بن مهلاييل بن عوض بن عملاق بن لاود بن إرم، وعبيل: هم الذين سكنوا الجحفة، وهي ميقات الشاميين، فأجحفت بهم السيول فيها؛ أي: ذهبت بهم فسميت الجحفة، وقال بعضهم: هي من الثرب بالتحريك، وهو الفساد، وكان في المدينة الفساد واللؤم بسبب عفونة الهواء، وكثرة الحمى، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. كره ذلك فسماها طيبة، على وزن بصرة، من الطيب، وقد أفتى الإِمام مالك - رحمه الله تعالى - فيمن قال: تربة المدينة رديئة بضربه ثلاثين درةً، وقال: ما أحوجه إلى ضرب عنقه، تربة دفن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يزعم أنا غير طيبة.
وفي الحديث: "من سمى المدينة بيثرب .. فليستغفر الله، فليستغفر الله، هي طيبة، هي طيبة". وقوله - صلى الله عليه وسلم - حين أشار إلى دار الهجرة: "لا أراها إلا يثرب" ونحو ذلك من كل ما وقع في كلامه - صلى الله عليه وسلم - من تسميتها بذلك، كان قبل النهي عن ذلك، وإنما سميت طيبة؛ لطيب رائحة من مكث بها، وتزايد روائح الطيب بها, ولا يدخلها طاعون ولا دجال، ولا يكون بها مجذوم؛ لأن ترابها يشفي المجذوم، وهو كغراب، علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله، فيفسد مزاج الأعضاء وهيآتها، وربما انتهى إلى تآكل الأعضاء وسقوطها عن تقرحٍ. انتهى.
وفيه إشارة إلى حال أهل الفساد والإفساد في هذه الأمة، إلى يوم القيامة، نسأل الله تعالى أن يقيمنا على نهج الصواب، ويجعلنا من أهل التواصي بالحق، والصبر دون التزلزل والاضطراب.