{إِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ} وجماعة، {مِنْهُمْ}؛ أي: من المنافقين، قال مقاتل: هم بنو سالم من المنافقين، وقال السدي: هم عبد الله بن أبي وأصحابه، وقيل: هم أوس بن قيظي وأصحابه، والطائفة: تقع على الواحد فما فوقه، والقول الذي قالته هذه الطائفة هو قوله: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ}؛ أي: يا أهل المدينة {لَا مُقَامَ لَكُمْ}؛ أي: لا إقامة ولا استقرار لكم هاهنا في العسكر، أو لا موضع إقامة لكم هاهنا جنب هذا العسكر العظيم لكثرة العدو، وغلبة الأحزاب، يريدون لا معسكر لكم هاهنا.
وقرأ السلمي والأعرج واليماني وحفص والجحدري وأبو حيوة (?): بضم الميم، فاحتمل أن يكون مكانًا؛ أي: لا مكان إقامة، واحتمل أن يكون مصدرًا؛ أي: لا إقامة، وقرأ أبو جعفر وشيبة وأبو رجاء والحسن وقتادة والنخعي وعبد الله بن مسلم وطلحة، وباقي السبعة: بفتحها، واحتمل أيضًا المكان؛ أي: لا مكان قيام، واحتمل المصدر؛ أي: لا قيام لكم.
{فَارْجِعُوا} إلى منازلكم بالمدينة ليكون ذلك أسلم لكم من القتل، وقد يكون المعنى: لا مقام لكم في دين محمد، فارجعوا إلى ما كنتم عليه من الشرك، وأسلموا محمد إلى أعدائه، ومرادهم الأمر بالفرار، لكنهم عبروا عنه بالرجوع ترويجًا لمقالهم، وإيذانًا بأنه ليس من قبيل الفرار المذموم، وقد ثبطوا الناس عن الجهاد، والرباط لنفاقهم ومرضهم، ولم يوافقهم إلا أمثالهم، فإن المؤمن من المخلص لا يختار إلا الله ورسوله.
وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين خرجوا عام الخندق، حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع، والخندق بينهم وبين القوم، فقال هؤلاء المنافقون: ليس هاهنا موضع إقامة، وأمروا الناس بالرجوع إلى منازلهم بالمدينة، وفي "المختار" التثريب: التعبير والاستقصاء في اللوم، وثرب عليه تثريبًا: قبح عليه فعله. اهـ.
فائدة: يثرب (?) هو اسم للمديمة المنورة، لا ينصرف للتعريف وزنة الفعل،