قالَ عِيسَى: وَلَو جَاءَ بالَّلَبَنِ الذي طَلَبَ مِنها أَوَّلَ مَرَّة فَرَدَّهُ مَعَهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، ولَزِمَهُ غُرمُ الصَّاعِ.
قالَ: وَلَو عَلِمَ أَنَّها مَصْرُورَةً بإقْرَارٍ مِنَ البَائِعِ فَرَدّها قَبْلَ أَنْ يَحلِبها لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُرْمُ الصَّاعِ، لأنَّهُ لَم يَحلِب اللَّبَنِ الذي بِسَبَبهِ يَلْزَمُهُ غُرْمُ الصَّاعِ.
قالَ: وَلَو حَلَبَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ حَلَبَها الثَّانِيَةَ فَنَقَصَ لَبَنُها، فَظَنَّ أَنَّهُ مِن اسْتَنْكَارِ المُرضِعِ، ثُمَّ حَلَبَها الثَّالِثَ فتَبَيَّنَ لَهُ صُرها، فأَرَادَ رَدّها فإنَّهُ يَحْلِفُ باللهِ مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رِضَاً بِها، ثُمَّ يَرُدّها ويَرُدُّ مَعَها الصَّاعَ الذي أَمَرَ بهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.
وقِيلَ: إذا كَانَتْ كَبِيرَةً رَدَّ عَنْ كُلِّ وَاحِدةٍ حَلَبَها صَاعَاً مِنْ تَمْرٍ.
وقَيِلَ: بلْ يَرُدُّ عَنْها كُلُّها بعدَ حِلاَبهِ إيَّاها صَاعَاً مِنْ تَمْرٍ.
قالَ ابنُ القَاسِمِ: فِي الذي يَتَلَّقَى السِّلَعِ قَبْلَ أَنْ يُهْبِطَ بِها الأَسْوَاقَ أَنَّها تُؤْخَذُ مِنْهُ، وتُوقَفُ للنَّاسِ في السُّوقِ، فَيَشْتَرُونَها بِمَا اشْتَرَاها بهِ، فإنْ لَم يُوجَد مَنْ يَشْتَرِيها رُدَّتْ عَلَيْهِ، فإنْ فَاتَتِ السِّلْعَةُ عَنْدَهُ ولَم تُوجَد مَعَهُ وكانَ مُتَعَوِّدَاً بِذَلِكَ أَدَّبَهُ السُّلْطَانُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَوِّدَاً بِذَلِكَ نَهاهُ أَنْ يَعُودَ، وخَلَّى سَبِيلَهُ.
وقَوْلُهُ: "لا يَبِعْ حَاضِر لِبَادٍ"، يَعْنِي: لا يَتَولَّى أَهْلُ الحَضَرِ بَيع سِلَعِ أَهْلِ البَوَادِي، لأَنَّ ذَلِكَ ضَرَو على أَهْلِ الحَوَاضِرِ، وقَد رَوَى سُفْيَانُ، عَن أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزِقُ اللهُ بعضَهُم مِنْ بَعضٍ" (?).
قالَ ابنُ أَبي أُوَيْسٍ: وهذا نَظَر مِنَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأهْلِ الحَاضِرَةِ على أَهْلِ البَادِيَةِ لِفَضْلِهِم عَلَيْهم لإقَامَتِهِم (?) الجَمَاعَاتِ، ولِعِلْمِهِم بالسُّنَنِ.
قالَ عِيسَى: ولا بَاسَ أَنْ يَشْتَرِي حَاضِرٌ لِبَادٍ، [وأَمَّا إذا بَاعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ] (?) فإنَّهُ