* قالَ أَبو المُطَرِّفِ: لَمْ يَجُزِ السَّلَفُ في الجَوَارِي، مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ سَبَباً إلى عَارِيَةِ الفُرُوجِ، فإذا وَقَعَ مِثْلُ هذا نُقِضَ السَّلَفُ، مَا لَمْ يَغِبِ المُسْتَسْلِفِ على الجَارِيةِ ويَطَأَها، فإذا وَطِئَها لَزِمَتْهُ قِيمَتُها يَوْمَ قَبَضَها.
قالَ أَبو المُطَرِّفِ: قَوْلُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ لِلْبَيع"، يُرِيدُ: لا تَلَقَّوُا جُلاَّبَ السِّلَعِ لِلْبَيْعِ، فَتَبْتَاعُونَها مِنْهُم قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا بِهَا الأَسْوَاقَ، ثُمَّ تَبِيعُونَها مِنْ أَهْلِ الأَسْوَاقِ غَالِيَة، فتَضُرُّوا بِهم.
وقُولُه: "لا تَنَاجَشُوا"، يَعْنِي: لَا تَغطُوا في السِّلَع فَوْقَ أَثْمَانِها، ولَيْسَ الشِّرَاءُ مِنْ شَأْنِكُم، لِكَي يَغْتَرَّ بِذَلِكَ غَيْرُكُم مِمَّنْ يُرِيدُ الشًّرَاءَ، فَيَزِيدُ في ثَمَنِ السِّلْعَةِ لِزَيَادَةِ النَّاجِشِ في ثَمَنِها، فَيَضُرُّ ذَلِكَ بالمُشْتَرِي.
وقَوْلُهُ: "لَا تُصَرُّوا الإبلِ والبَقَرِ والغَنَمِ" يَعْنِي: لَا تَتْرُكُوا حِلاَبَها إذا أَرَدْتُم بَيْعَها لِكَي يَجْتَمعَ اللَّبَنُ في ضُرُوعِها فتَعْظُمُ بِذَلِكَ ضُرُوعُها، فإذا نَظَرَ إليها المُشْتَرِي رَغِبَ فِيها، وزَادَ في ثَمَنِها، وظَنَّ أنَّ لَبَنَها غَزِيرٌ، وهذا غِشّ وتَدلِيسٌ، فَمَنِ ابْتَاعَ مُصَرَّاةً كَانَ بالخِيَارِ بَغدَ أَنْ يَحلِبها، إنْ شَاءَ أمسَكَها، وإنْ شَاءَ رَدَّهَا وصَاعَاً مِنْ تَمْرٍ.
وهذا الحَدِيثُ أَصْلٌ في الرَّدِّ بالعُيُوبِ في الحَيَوانِ وغَيْرِه، فإذا كَانُوا بِبَلَدٍ لَا تَفرَ فِيهِ أَعطَى مَكَانَ الصَّاعِ مِنَ التَّفرِ صَاعَاً مِنْ طَعَامٍ، ولَا يَجُوزُ للذي تُرَدُّ عَلَيْهِ المَصرُورَةَ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ الصَّاعَ مِنَ التَّفرِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوفِيَهُ، لأَنَّهُ اشْتَرَى ذَلِكَ الصَّاعَ بالَّلَبنِ المصرُورِ في الضَّرعِ حِينَ بَاعَها مِنَ الذي اشْتَرَاها مِنْهُ، فإذا بَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ دَخَلَهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوفَى، وصَارَ الَّلَبنُ المَخلُوبُ مِنَ المُصَرَّاةِ في المَرَّةِ الثَّانِيَةِ الذي بهِ يَبِينُ صُرُّها لِمُشْتَرِيها بلاَ ثَمَنٍ، مِنْ أَجْلِ ضَمَانِهِ إيَّاها قَبْلَ أَنْ يَرُدَّها، وهذا يُقَوِّي حَدِيثَ "الخَرَاجُ بالضَّمَانِ" (?)، لأَنَّهُ في مَعنَاهُ.