لَيْستْ مِنَ العَيْنِ، ولَا مِنَ الأَقْوَاتِ التي مَنَعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحَابُهُ بعدَهُ مِنْ بَيع بَعضِها بِبعضٍ مِنْ صِنف وَاحِدٍ، إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَداً بِيَدٍ.
* قَوْلُهُ: (قَطْعُ الدَّنَانِيرِ والدَّرَاهِمَ مِنَ الفَسَادِ في الأَرضِ)، قالَ أَبو المُطَرِّفِ: إنَّمَا يَكُونَ هذا فِسَادَاً إذا جَرَت الدَّنَانِيرُ والدَّرَاهِمُ بينَ النَّاسِ عَدَداً لَا وَزْنا، فَيعمَدُ أَهْلُ الفَسَادِ إليها يَتَقَصُّونَها مِنْ حَوَالِيها، ثُمَّ يَتَبَايَعُونَ بِها، ويُغْرُونَ بِها النَّاسَ، فَهذا منَ الفَسَادِ في الأرضِ، وأَمَّا إذا جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ بالوَزْنِ لم يَكْنُ قَطْعُها مِنَ الفَسَادِ في الأَرضِ، لأَنَّها تُجْمَعُ في المِيزَانِ، فَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ دَرَاهِمُ أو دَنَانِيرُ أَوْزَنَ مِنْ دَرَاهِمِ البَلَدِ الذي هُوَ فِيهِ، وكَانَتْ تَجْرِي عِنْدَهُم عَدَداً فَلَا يَتَقَصَّ دَرَاهِمَهُ الوَافِيةَ، ولْيَبِع تِلْكَ الدَّرَاهِمَ التي مَعَهُ بِذهب، ثُمَّ يَبْتَاعُ بِذَلِكَ الذهبِ دَرَاهِمَ [جواز] (?) ذَلِكَ البَلَدِ الذي هُوَ فِيهِ، ولا يَكُونُ بَيْعُهُ وشِرَاؤُهُ مِنْ رَجُل وَاحِدٍ، لِئَلَّا يَكُونَ عَيْنٌ بأَكْثَرَ منهُ، ويَكُونَ الصَّرفُ بَيْنَهُما مُلْغَى.
قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: أَجَازَ أَهْلُ المَدِينةِ بَيْعُ المُصحَفِ يَكُونُ فِيهِ مِنَ الفِضَّةِ قَدرَ ثُلُثِ ثَمَنِهِ فأَدنَى أَنْ يُبَاعَ بالفِضَّةِ نَقْداً، وكَذَلِكَ السَّيْفُ يَكُونُ فِيهِ مِنَ الفِضَّةِ مِثْلَ ذَلِكَ أَنْ يُبَاعَ بالفِضَّةِ، وكَذَلِكَ أَجَازُوُهُ في الذَّهَبِ إذا كَانَ الذَّهَبُ في المُصحَفِ أَو السَّيْفِ قَدرَ الثُّلُثِ فَدُونَ أَنْ يُبَاعَ بالذهبِ نَقْدَاً، ولا يَجُوزُ إلى أَجَلٍ. وأَجَازَ أَشْهبُ إلى أَجَلٍ.
وحُجَّتُهُم في إجَازَةِ ذَلِكَ: قَوْلُ النبيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "مَنْ بَاعَ عَبْداً ولَهُ مَالٌ فَمَالُهُ للبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ المُبْتَاعُ" (?)، وقَد يَكُونُ مَالُ العَبْدِ ذهبا أَو فِضَّةً، وَهُو يُبَاعُ بالذهبِ أو بالفِضَّةِ، فإذا كَانَ مَا فِي المُصحَفِ أو السَّيْفِ مِنَ الفِضَّةِ أَو الذّهبِ قَدرَ ثُلُثِ ذَلِكَ فَكَانَ تَبَعاً للصَّفْقَةِ، وإذا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ بِيعَ الذي فِيهِ الذَهبُ بالفِضَّةِ، والذي فِيهِ الفِضَّةُ بالذهبِ يَداً بِيَدٍ، ولَا يَجُوزُ إلى أَجَلٍ، لأَنَّهُ