تَذْكِيَتَهُ عَمْدًا، فَلِذَلِكَ لَا يَأْكُلُهُ، وإنَّمَا أَبَاحَ اللهُ أَكْلَ مَا لَمْ تَتَمَكَّنْ ذَكَاتُهُ مِنَ الصَّيْدِ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ السَّبيلِ إلى ذَكَاتِهِ، لِقَوْلهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94]، يَعْنِي: مَا يُرْمَى بالنَّبْلِ والرِّمَاحِ فَيَقْتُلُ ذَلِكَ المَرْمَى فَأَبَاحَ اللهُ أَكْلَهُ، وقالَ في الكِلَابِ المُعَلَّمَةِ: (فَكُلُوأ مِمَّا أَمَّسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائده: 4].
قالَ عِيسَى: فإذَا وَجَدَ شَيْئأ مِنْ هَذا كُلِّهِ مَنْفُوذَ المُقَاتَلِ أَكَلَهُ.
قالَ أَصْبَغُ: مَا قتَلَهُ الكِلَابُ بالصَّدمِ، أَو البُزَاةِ (?) بالشَّدِّ مِنَ الصَّيْدِ مُبَاحٌ أَكْلُهُ عِنْدَ أَشْهَبَ.
وقالَ ابنُ القَاسِمِ: لَا يُؤْكَلُ إلَّا مَا أَجْرَحَتِ الكِلَابُ أَو البُزَاةِ مِنَ الصَّيْدِ فَقتَلتْهُ، وأَمَّا مَا قَتَلَتْهُ بالصَّدْمِ أَو بالشَّدِّ لَمْ يُؤْكَلْ.
[قالَ أبو المُطَرِّفِ]: قالَ أَصْبَغُ: وبِهَذا أَقُولُ، لأَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- سَمَّاهَا في كِتَابهِ جَوَارِحَ، فإذا لَمْ يُجْرَحِ الصَّيْدُ لَمْ يُؤْكَلْ.
[قالَ أبو المُطَرِّفِ]: أَخَذَ أَهْلُ المَدِينَةِ أَكْلَ مَا صَادَهُ المُسْلِمُ بِكَلْبِ المَجُوسِيِّ المُعَلَّمِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ الحُكْمَ في الصَّيْدِ لِلمُسِلمِ الذي يَصِيدُهُ، وُيرْسِلُ الكَلْبَ عَلَيْهِ، ويُسَمِّي اللهَ عندَ إرْسَالهِ، ولَمْ يَجُزْ أَكْلُ مَا صَادَهُ المَجُوسِيُّ بِكَلْبِ المُسْلِمِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ الحُكْمَ للصَّائِدِ لَا لِلْكَلْبِ، ومِنْ هذَا كَرِهَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ أَكْلَ مَا صَادَهُ اليَهُودِيُّ أَو النَّصْرَانِيُّ، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى إنَّمَا خَاطَبَ المُسْلِمِينَ بِقَوْلهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94]، ولَمْ يَذْكُرِ اليَهُودَ ولَا النَصَارَى.
وقَالَ مَنْ أَجَازَ أَكْلَ صَيْدِ اليَهُودِ والنَّصَارَى لَمَّا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]، اسْتَدْلَلْنَا بِهَذَا على أَنَّ مَا صَادَ أَهْلُ الكِتَابِ حِلٌّ لَنَا أَكْلُهُ.