رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِمَوْضِعِ الحَرِيرِ، فَرَدَّ تِلْكَ الخَمِيصَةَ إلى مُهْدِيها، وأَخَذَ مِنْهُ عِوَضُها أنْبِجَانِيَّهً، والأنْبِجَانِيَّةُ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ ولا عَلَمَ فيهِ مِنْ حَرِيرٍ.
وفي هذا الحَدِيثِ مِنَ الفِقْهِ إبَاحَةُ قَبُولِ الهَدِيَّةِ إذا كَانَتْ مِنْ مَكْسَب طَيِّبٍ، وفيه رَدُّ الهَدِيَّةِ للعُذْرِ، وذَلِكَ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا نَظَرَ إلى عَلَمِها في صَلَاتهِ شَغَلَتْهُ فَرَدَّها إلى مُهْدِيها إليه، وفي رَدِّه إيَّاها إليه تَعْلِيمٌ منهُ وتَنْبيهٌ ألاَّ يُصَلِّي الرَّجُلُ بِمِثْلِها مِنْ أَجْلِ الحَرِيرِ الذي كَانَ فِيها، وخَفَّفَ الفُقَهَاءُ العَلَمَ الرَّقِيقَ يَكُون في الثَّوْبِ يُصَلِّي به الرَّجُلُ، فإذا كانَ مِثْلَ الخَمِيصَةِ فلَا يَفْعَلَ.
* قَوْلُه في حَدِيثِ أبي طَلْحَةَ: "وكَانَتِ النَّخْلُ مُطَوَّقَةً بثَمَرِهَاهـ, يعني كَانَتْ ثَمَرةَ النَّخْلِ قد أَطَافَتْ بِعَرَاجِينِها، فَصَارَتْ [لَيِّنَةً] (?) كالأَطْواقِ في الأَعْنَاقِ.
وقولُه: "قدْ ذُلِّلَتْ" يعنِي: فَذُلِّلتْ ثَمَرَةُ تِلْكَ النَّخْلِ العَرَاجِينَ إلى الأَرْضِ وتَدَلّتْ، وحَسُنَ مَنْظَرُهَا فَشَغَلَهُ نَظَرَهُ إليهَا عَنْ صَلَاتهِ، حتَّى أنَّهُ لم يَدْرِ كَمْ صَلَّى، فصَارَ ذَلِكَ فِتْنَةً افْتُتِنَ بِها فَتَصَدَّقَ.
قالَ أبو مُحَمَّدٍ: أَدْخَلَ مَالِكٌ هذا البَابَ في المُوطَّأ لِكَرَاهِيةِ الشُّغْلِ في الصَّلاَةِ خَاصَّةً، وللمُؤلِّفِ أنْ يَخُصَّ مِنْ جُمْلَةِ الحَدِيثِ إلى شَيءٍ وَاحِدٍ، يُتَرْجِمُ بهِ مَا قَصَدَ إليه مِنْ مَعْنَى الحَدِيثِ، وقد تقدَّمَ لِمَالِكٍ قبلَ هذا البَابِ البُنْيَانَ في الصَّلاَةِ على اليَقِينِ، وبِسُجُودِ السُّهْو في الزِّيَادةِ بعدَ السَّلَامِ، وفي النُّقْصَانِ قبلَ السَّلَامِ.
* وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "إنِّي لأَنْسَى أو أُنَسَّى لأَسُنَّ" قالَ عِيسى: يَقُولُ إني لأَنْسَى أَنا أو يُنْسِينِي رَبّي، لكَنِّي أَعْمَلُ مِنْ أَجْلِ مَا نَسِيتُ عَمَلًا يَكُونُ سُنَّة لِمَنْ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي، يَعْمَلُونَ بِها في صَلاَتِهِم.
* قَوْلُ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ للرَّجُلِ الذي سَأَلهُ أنَّهُ يَهِمُ في الصَّلاَةِ، يَعْنِي قدْ غَلَبَ عليهِ الوَهْمُ فِيها، فقالَ لَهُ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: "امْضِ في صَلاَتِكَ، فإنَّهُ لنْ يَذْهَبَ