عُرُوضًا بِأَسْبَابِهِ الْعَادِيَّةِ كَالِاضْطِرَارِ لِأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ الْمَسْفُوحِ، وَكَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ اللَّذَيْنِ يَشُقُّ فِيهِمَا الصَّوْمُ، وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، لَوْ يَضُرُّ تُرِكَ الْأَوَّلُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ، وَالثَّانِي إِلَى التَّيَمُّمِ الْمُبِيحِ لِلصَّلَاةِ، وَلَا تُتْرَكُ الصَّلَاةُ نَفْسُهَا لِعُسْرِ أَحَدِ شُرُوطِهَا وَعَدَمِ عُسْرِهَا فِي نَفْسِهَا، وَهِيَ لَا تَعْسُرُ مِنْ حَيْثُ هِيَ تَوَجُّهٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَمُنَاجَاةٌ لَهُ بِكِتَابِهِ وَذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ، فَإِنْ شَقَّ عَلَى الْمُصَلِّي بَعْضُ أَفْعَالِهَا كَالْقِيَامِ اسْتَبْدَلَ بِهِ الْقُعُودَ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ الْقُعُودُ صَلَّى مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا.
(الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) حَظْرُ التَّعَرُّضِ لِلْهَلَكَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (195) فَلَا يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا سِيَّمَا جَمَاعَتُهُمْ أَنْ يَتَعَمَّدُوا إِلْقَاءَ أَنْفُسِهِمْ إِلَى الْهَلَاكِ بِسَعْيِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ، وَيَلْزَمُهُ وُجُوبُ اجْتِنَابِ أَسْبَابِ التَّهْلُكَةِ مِنْ فِعْلِيَّةٍ وَتَرْكِيَّةٍ - وَبِتَعْبِيرِ الْمُنَاطَقَةِ مِنْ سَلْبِيَّةٍ وَإِيجَابِيَّةٍ - وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ هَذَا النَّهْيِ عَقِبَ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ لِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الدِّفَاعُ مِنَ النَّفَقَاتِ الْكَثِيرَةِ، وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْعَصْرِ الَّذِي تَعَدَّدَتْ فِيهِ آلَاتُ الْقِتَالِ وَوَسَائِلُهُ وَعَظُمَتْ نَفَقَاتُهَا فَصَارَتِ الْأُمَمُ الْعَزِيزَةُ تُنْفِقُ الْمَلَايِينَ مِنَ الْجُنَيْهَاتِ عَلَى وَسَائِلِ الْحَرْبِ الْبَرِّيَّةِ وَالْبَحْرِيَّةِ وَالْجَوِّيَّةِ، وَفُرُوعُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَثِيرَةٌ.
(الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) إِتْيَانُ الْبُيُوتِ مِنْ أَبْوَابِهَا لَا مِنْ ظُهُورِهَا، أَيْ طَلَبُ الْأَشْيَاءِ بِأَسْبَابِهَا دُونَ غَيْرِهَا، فَلَا تُجْعَلُ الْعَادَةُ عِبَادَةً، وَلَا الْعِبَادَةُ عَادَةً، وَلَا تُطْلَبُ فُنُونُ الدُّنْيَا مِنْ نُصُوصِ الدِّينِ (أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ) كَمَا قَالَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأَصْلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَيْسَ الْبِرَّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأَتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) (189) فَلِلزِّرَاعَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَفُنُونِ الْحَرْبِ وَآلَاتِهِ وَأَسْلِحَتِهِ أَبْوَابٌ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا إِلَّا مَنْ يَدْخُلُ مِنْهَا، وَلِعَقَائِدِ الدِّينِ وَعِبَادَاتِهِ وَآدَابِهِ وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ أَبْوَابٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلِأُصُولِ تَشْرِيعِهِ السِّيَاسِيِّ أَبْوَابٌ مِنَ النُّصُوصِ وَالِاجْتِهَادِ مَعْرُوفَةٌ أَيْضًا، فَمَا اعْتِيدَ فِي هَذِهِ الْقُرُونِ الْأَخِيرَةِ مِنْ قِرَاءَةِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ النَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ مُخَالِفٌ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَلَيْسَ مِنَ الْمُخَالِفِ لَهَا الدُّعَاءُ وَتَوَجُّهُ الْمُقَاتِلَةِ إِلَى اللهِ لِنَصْرِهِمْ بَعْدَ إِعْدَادِ مَا اسْتَطَاعُوا مِنَ الْقُوَّةِ لِعَدُوِّهِمْ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الْقُوَّةِ الْمَعْنَوِيَّةِ.
(الْقَاعِدَةُ الْعِشْرُونَ) حُرِّيَّةُ الدِّينِ وَالِاعْتِقَادِ وَمَنْعُ الِاضْطِهَادِ الدِّينِيِّ وَلَوْ بِالْقِتَالِ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَمَنْعُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الدِّينِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةً وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (193) .
الْفِتْنَةُ: اضْطِهَادُ الْإِنْسَانِ لِأَجْلِ دِينِهِ بِالتَّعْذِيبِ وَالْقَتْلِ وَالنَّفْيِ كَمَا فَعَلَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي آيَاتِ الْقِتَالِ الَّتِي نَزَلَتْ قَبْلَ هَذِهِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) (22: 39 - 40) إِلَخْ.