لَمْ يَكُفَّ إِلَّا عَجْزًا عَنِ الْإِمْضَاءِ، أَفَبِهَذَا صَرَفَ اللهُ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ، وَكَانَ مِنْ عِبَادِ اللهِ الْمُخْلَصِينَ، وَأَنْبِيَائِهِ الْمُصْطَفَيْنَ الْمُجْتَبَيْنَ الْأَخْيَارِ؟
وَلَئِنْ كَانَ عُقَلَاءُ الْمُفَسِّرِينَ أَنْكَرُوا هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْإِسْرَائِيلِيَّةَ، حِمَايَةً لِعَقِيدَةِ عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكَدْ يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ تَأْثِيرِ بَعْضِهَا فِي أَنْفُسِهِمْ، وَتَسْلِيمِهِمْ لَهُمْ أَنَّ الْهَمَّ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كَانَ بِمَعْنَى الْعَزْمِ عَلَى الْفَاحِشَةِ، إِلَّا مَنْ خَالَفَ قَوَاعِدَ اللُّغَةِ فَقَالَ إِنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: (وَهَمَّ بِهَا) جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: (لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ وَمَنْ قَالَ: إِنَّ جَوَابَهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ، فَهُوَ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لَمْ يَهُمَّ بِشَيْءٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنَ الْعِبَارَةِ أَوْ ظَاهِرِهَا، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَمَّهُ بِالْفَاحِشَةِ بِمُقْتَضَى الدَّاعِيَةِ الْفِطْرِيَّةِ لَا يُنَافِي الْعِصْمَةَ، وَإِنَّمَا يُنَافِيهَا طَاعَتُهَا بِدَلِيلِ مَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ ((مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَفْعَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ)) ، وَأَنَّ امْتِنَاعَهُ عَنْهَا بِتَرْجِيحِ دَاعِيَةِ الْإِيمَانِ وَطَاعَةِ اللهِ - تَعَالَى - مَعَ طُغْيَانِهَا وَإِلْحَاحِهَا الطَّبِيعِيِّ عَلَيْهِ أَدَلُّ عَلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ مِنْ كَوْنِهِ لَمْ يَفْعَلْهَا كَرَاهَةً لَهَا وَعُزُوفًا عَنْهَا لِقُبْحِهَا، وَلَهُمْ تَأْوِيلَاتٌ مِنْ هَذَا، وَلَقَدْ كَانُوا لَوْلَا تَأْثِيرُ الرِّوَايَةِ فِي غِنًى عَنْهَا.
وَالتَّأْوِيلُ الْأَخِيرُ أَوَّلُهُ مَقْبُولٌ وَآخِرُهُ مَرْدُودٌ، فَهَهُنَا مَرْتَبَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الْكَفُّ عَنِ الْمَعْصِيَةِ جِهَادًا لِلنَّفْسِ وَكَبْحًا لَهَا خَوْفًا مِنَ اللهِ - تَعَالَى - وَهِيَ مَرْتَبَةُ الصَّالِحِينَ الْأَبْرَارِ، وَمَرْتَبَةُ الْكَرَاهَةِ لَهَا وَالِاشْمِئْزَازِ مِنْهَا حَيَاءً مِنَ اللهِ وَمُرَاقَبَةً لَهُ وَاسْتِغْرَاقًا فِي شُهُودِهِ، وَهِيَ مَرْتَبَةُ الصِّدِّيقِينَ وَالنَّبِيِّينَ الْأَخْيَارِ، الَّذِينَ إِذَا عَرَضَتْ لَهُمُ الشَّهْوَةُ الْمُسْتَلَذَّةُ بِالطَّبْعِ، بِالصُّورَةِ الْمُحَرَّمَةِ فِي الشَّرْعِ، عَارَضَهَا مِنْ وِجْدَانِ الْإِيمَانِ، وَتَجَلِّي الرَّحْمَنِ، مَا تَغَلِبُ بِهِ رُوحَانِيَّتُهُمُ الْمَلَكِيَّةُ، عَلَى طَبِيعَتِهِمُ الْحَيَوَانِيَّةِ، وَهَذَا مِمَّا قَدْ يَحْصُلُ لِمَنْ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَرَوْنَ بُرْهَانَ رَبِّهِمْ بِأَعْيُنِ قُلُوبِهِمْ، وَيَنْعَكِسُ نُورُهُ عَنْ
بَصَائِرِهِمْ فَيَلُوحُ لِأَبْصَارِهِمْ، كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ آنِفًا؟
وَلِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ دَرَجَاتٌ مِنْهَا: فَقْدُ الشَّهْوَةِ الطَّبِيعِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، أَوْ فَقْدُ الشُّعُورِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى وَضْعِهَا فِي الْمَوْضِعِ الْمُحَرَّمِ مَعَ وُجُودِهَا عَلَى أَشَدِّهَا، وَلَا عَجَبَ؛ فَقُوَى النَّفْسِ وَانْفِعَالَاتُهَا الْوِجْدَانِيَّةُ تَتَنَازَعُ فَيَغْلِبُ أَقْوَاهَا أَضْعَفَهَا. حَتَّى إِنَّ مِنَ الْإِبَاحِيِّينَ وَالْإِبَاحِيَّاتِ مَنْ أَهْلِ الْحُرِّيَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ مَنْ يَمْلِكُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْخَلْوَةِ مَنْعَ نَفْسِهِ أَنْ يُبِيحَهَا لِمَنْ يُرَاوِدُهُ عَنْهَا، لَا خَوْفًا مِنَ اللهِ وَلَا حَيَاءً مِنْهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤْمِنٍ بِهِ أَوْ بِعِقَابِهِ، بَلْ وَفَاءً لِزَوْجٍ أَوْ عَشِيقٍ عَاهَدَهُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِهِ فَصَدَقَهُ.
حَدَّثَنَا مُصَوِّرٌ سُورِيٌّ كَانَ زِيرَ نِسَاءٍ فَاسِقًا أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمْرِيكَانِيَّةِ، فَأَعْلَنَ فِي بَعْضِ الْجَرَائِدِ أَنَّهُ يَطْلُبُ امْرَأَةً جَمِيلَةً لِأَجْلِ أَنْ يُصَوِّرَهَا كَمَا يَشَاءُ بِجُعْلٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمَالِ، وَهَذَا مَعْهُودٌ عِنْدَ الْإِفْرِنْجِ، فَجَاءَهُ عِدَّةٌ مِنَ الْحِسَانِ اخْتَارَ إِحْدَاهُنَّ وَخَلَا بِهَا فِي حُجْرَتِهِ الْخَاصَّةِ وَأَوْصَدَ بَابَهَا، وَأَمْرَهَا بِالتَّجَرُّدِ مِنْ جَمِيعِ ثِيَابِهَا، فَتَجَرَّدَتْ فَطَفِقَ