وَظُلْمُهُ لِلنَّاسِ أَفْرَادًا وَجَمَاعَةً وَأُمَّةً، فَكُلُّ مَا سَبَقَ مِنَ الرَّذَائِلِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَاهَا، وَلِذَلِكَ جَعَلَ إِهْلَاكَ أُولَئِكَ الْقُرُونِ عِقَابًا عَلَى الظُّلْمِ، وَتَرَى بَيَانَ هَذَا فِي آخِرِ الْبَابِ السَّادِسِ مِنْ هَذِهِ الْخُلَاصَةِ.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ مِنَ الرَّذَائِلِ يَدْخُلُ فِي بَابِ قِسْمِ الْمُحْرِمَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنَ الرُّكْنِ الْعَمَلِيِّ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ، الَّذِي هُوَ عَمَلُ الصَّالِحَاتِ الْمُسْتَلْزِمُ لِتَرْكِ أَضْدَادِهَا، وَأَمَّا قِسْمُ الْمَأْمُورَاتِ فَهُوَ مَا نَرَاهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَهُوَ:
(الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الْخَامِسِ) :
(فِي الْأَخْلَاقِ وَالْفَضَائِلِ النَّفْسِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ الْبَدَنِيَّةِ) :
قُلْنَا: إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فِي دَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَالتَّثْبِيتِ عَلَيْهَا بِقِصَصِ أَشْهَرِ الرُّسُلِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَمَا جَاوَرَهَا مَعَ أَقْوَامِهِمْ، مِمَّا يَفْهَمُهُ مُشْرِكُو قَوْمِهِ وَتَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، فَلَيْسَ مَوْضُوعُهَا بَيَانَ تَفْصِيلِ الْفَضَائِلِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تُوَجَّهُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، وَلَكِنْ مَا يَخُصُّهُمْ مِنْهَا - عَلَى قِلَّتِهِ - كَثِيرٌ فِي مَعْنَاهُ وَفَائِدَتِهِ، وَلَهُمْ مِنَ الذِّكْرَى وَمَا يَجِبُ التَّأَسِّي بِهِ مِنْ فَضَائِلِ الرُّسُلِ غَيْرَ مَا خَصَّهُمُ اللهُ مِنَ الْوَحْيِ وَالْعِصْمَةِ، مَا يَكْفِي الْمُتَدَبِّرِينَ لَهُ الْمُتْعَبِرِينَ بِهِ فِي تَزْكِيَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَجَعْلِهِمْ أَسْعَدَ النَّاسِ بِمَعْرِفَةِ رَبِّهِمْ وَعِبَادَتِهِ وَإِرْشَادِهِ عِبَادَهُ، فَالْفَضَائِلُ فِيهَا قِسْمَانِ، نَسْرُدُ لِقَارِئِي هَذَا التَّفْسِيرِ مَا فَهِمْنَاهُ مِنْ مَسَائِلِهِمَا وَالشَّوَاهِدَ عَلَيْهَا جَمِيعًا وَهِيَ إِحْدَى وَعِشْرُونَ أَيْضًا.
(الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ: اسْتِغْفَارُ الرَّبِّ، وَالتَّوْبَةُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ) :
هَاتَانِ فَضِيلَتَانِ، فَرِيضَتَانِ، مُتَلَازِمَتَانِ فَكَأَنَّهُمَا وَاحِدَةٌ، جَاءَ الْأَمْرُ بِهِمَا فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ، عَقِبَ النَّهْيِ عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ دَعْوَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ كُرِّرَ فِي دَعْوَةِ غَيْرِهِ فِي الْآيَاتِ (52 و61 و90) فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا عَامًّا عَلَى أَلْسِنَةِ سَائِرِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَسَنَذْكُرُ فَائِدَتَهُمَا الْعُمْرَانِيَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى السُّنَنِ الْإِلَهِيَّةِ مِنَ الْبَابِ السَّادِسِ مِنْ هَذِهِ الْخُلَاصَةِ.
(الثَّالِثَةُ: الصَّبْرُ) :
ذُكِرَ الصَّبْرُ فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآيَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْكَلَامِ فِي رِسَالَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أُعِيدَ ذِكْرُهُ فِي آيَةِ الِاحْتِجَاجِ عَلَى رِسَالَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ قِصَّةِ نُوحٍ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - لَهُ: - فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ - 49 ثُمَّ فِي آخِرِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: - وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ - 115 فَالصَّبْرُ هُوَ الْخُلُقُ الَّذِي يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ الْأَفْرَادِ وَالْأُمَمِ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ.