(11) إِعْلَامُهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ فِي الْآيَةِ 14 بِأَنَّهُ جَعَلَهُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا بَعْدَ إِهْلَاكِ أَكْثَرِ الْقُرُونِ الْأُولَى مِنْ أَقْوَامِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُعَانِدِينَ لِرُسُلِهِمْ، وَتَحْرِيفِ آخَرِينَ لِأَدْيَانِهِمْ، وَنَسْخِهِ تَعَالَى لِمَا بَقِيَ مِنْهَا بِبِعْثَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُ يَخْتَبِرُهُمْ بِهَذِهِ الْخِلَافَةِ فَيَجْزِيهِمْ بِمَا يَعْمَلُونَ فِيهَا، وَأَخَّرْنَا هَذَا لِأَنَّهُ ثَمَرَةُ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ فِي الدُّنْيَا كَمَا وَعَدَهُمْ وَأَنْجَزَ وَعْدَهُ لَهُمْ بِشَرْطِهِ فِي الْآيَةِ (24: 55) مِنْ سُورَةِ النُّورِ.
الْبَابُ الرَّابِعُ
فِي الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَنُلَخِّصُ آيَاتِهِ فِي بِضْعَةِ أَنْوَاعٍ
(1) الْآيَةُ الرَّابِعَةُ ذِكْرُ رُجُوعِ النَّاسِ جَمِيعًا إِلَى اللهِ رَبِّهِمُ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ بِأَجْنَاسِهِ وَأَنْوَاعِهِ الْمُخْتَلِفَةِ، ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ بِالْقِسْطِ، وَالْكَافِرِينَ بِمَا ذَكَرَهُ إِجْمَالًا، وَبَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِهَا كَوْنَهُ بِالْقِسْطِ أَيْضًا كَمَا تَرَى بَيَانَهُ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ، وَكَوْنَ جَزَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُضَاعَفُ كَمَا ذُكِرَ فِي غَيْرِهَا.
(2) فِي الْآيَاتِ 7 - 11 تَفْصِيلٌ لِجَزَاءِ الْفَرِيقَيْنِ، مَعَ تَعْلِيلٍ طَبِيعِيٍّ عَقْلِيٍّ لِتَأْثِيرِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ فِي الْأَنْفُسِ، وِفَاقًا لِلْقَاعِدَةِ الَّتِي قَرَّرْنَاهَا مِرَارًا مِنْ أَنَّ جَزَاءَ الْآخِرَةِ أَثَرٌ لَازِمٌ لِسِيرَتِهَا فِي الدُّنْيَا، بِجَعْلِهَا أَهْلًا بِطَبْعِهَا وَصِفَاتِهَا لِجِوَارِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ أَوْ لِسُخْطِهِ.
(3) فِي الْآيَاتِ 24 - 30 تَفْصِيلٌ آخَرُ مُوَضَّحٌ بِضَرْبِ الْمَثَلِ، فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالزِّيَادَةِ فِي جَزَاءِ الْمُحْسِنِينَ عَمَّا يَسْتَحِقُّونَ، وَكَوْنُ جَزَاءِ الْمُسِيئِينَ بِالْمِثْلِ، وَكَوْنُ كُلِّ نَفْسٍ تَبْلُو فِي الْآخِرَةِ مَا أَسْلَفَتْ فِي الدُّنْيَا، لَا يَنْفَعُ أَحَدٌ أَحَدًا بِنَفْسِهِ وَلَا بِعَمَلِهِ.
(4) فِي الْآيَاتِ 45 - 56 سِيَاقٌ رَابِعٌ مُفْتَتَحٌ بِالتَّذْكِيرِ بِيَوْمِ الْحَشْرِ، وَتَقْدِيرِ النَّاسِ لِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِسَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ، وَخُسْرَانِ الْمُكَذِّبِينَ بِلِقَاءِ اللهِ، وَتَأْكِيدِ وَعْدِ اللهِ بِهِ، وَاسْتِبْطَائِهِمْ لَهُ، وَاسْتِعْجَالِهِمْ بِهِ، وَاسْتِنْبَائِهِمُ الرَّسُولَ: أَحَقٌّ هُوَ؟ وَحَالِهِمْ عِنْدَ وُقُوعِهِ، وَتَمَنِّيهِمُ الِافْتِدَاءَ مِنْهُ بِكُلِّ مَا فِي الْأَرْضِ، وَإِسْرَارِهِمُ النَّدَامَةَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْعَذَابِ، وَالْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ (وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) وَهَذَا الْأَخِيرُ فِي الْآيَتَيْنِ 47 و54.
(5) فِي الْآيَاتِ 62 - 64 ذِكْرُ أَوْلِيَاءِ اللهِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ، (وَأَنَّهُمْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، وَأَنَّ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
(6) فِي الْآيَتَيْنِ 69 و70 ذِكْرُ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللهِ وَكَوْنِهِمْ لَا يُفْلِحُونَ، لَهُمْ مَتَاعٌ قَلِيلٌ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ إِلَى اللهِ فَيُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ.
(7) فِي الْآيَةِ 93 عَقِبَ قِصَّةِ مُوسَى مَعَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ وَنَجَاةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ
بَعْدَ هَلَاكِهِمْ،