(4) فِي الْآيَةِ 37 بَيَانُ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُفْتَرًى مَنْ دُونِ اللهِ ; إِذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَأَنَّهُ تَصْدِيقٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنْ دَعْوَةِ الرُّسُلِ، وَتَفْصِيلٌ لِمَا أُجْمِلَ فِيمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ، فَهُوَ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا رَيْبَ فِيهِ ; لِأَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ يَدْرِي شَيْئًا مِمَّا نَزَلَ فِيهِ.
(5) فِي الْآيَةِ 38 تَحَدِّي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا افْتَرَاهُ، وَهُوَ مُطَالَبَتُهُمْ بِالْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، وَاسْتِعَانَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَنْ يَسْتَطِيعُونَ اسْتِعَانَتَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ تَعَالَى.
(6) فِي الْآيَةِ 39 الْإِضْرَابُ عَنِ التَّكْذِيبِ الْمُطْلَقِ إِلَى التَّكْذِيبِ بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ، وَهُوَ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ بِقِسْمَيْهِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ.
(7) فِي الْآيَاتِ 40 - 45 أَنَّ مِنْ أُولَئِكَ الْمُشْرِكِينَ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ، وَمُنَاقَشَةُ الْمُكَذِّبِينَ، وَوَصْفُ حَالِ مَنْ فَقَدُوا الِاسْتِعْدَادَ لِلْإِيمَانِ بِحَيْثُ لَا يَعْقِلُونَ الدَّلَائِلَ السَّمْعِيَّةَ وَلَا الْبَصَرِيَّةَ، وَإِبْهَامُ أَمْرِ مَا وُعِدُوا بِهِ مِنَ الْعَذَابِ هَلْ يَقَعُ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَحِكْمَةُ هَذَا الْإِبْهَامِ لَهُ وَاسْتِعْجَالُهُمْ بِهِ،
وَكَوْنُهُمْ يُؤْمِنُونَ بِهِ عِنْدَ وُقُوعِهِ فَلَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ يَوْمَئِذٍ - وَسُؤَالُهُمْ: أَحَقٌّ هُوَ؟ وَجَوَابُهُمْ بِالْقَسَمِ: (إِنَّهُ لَحَقٌّ) لِأَنَّ وَعْدَ اللهِ كُلَّهُ حَقٌّ، وَفِي تَفْسِيرِنَا لَهُ بَيَانُ قِلَّةِ الْكَذِبِ فِي الْعَرَبِ، وَاحْتِرَامُ الْقَسَمِ بِاللهِ تَعَالَى، وَاشْتِهَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ فِيهِمْ مِنْ صِغَرِهِ.
(8) بَعْدَ أَنْ أَيَّدَ اللهُ دَعَوْتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِصَّتَيْ نُوحٍ وَمُوسَى بِالْإِيجَازِ مُفَصَّلَةً، وَذَكَرَ مَنْ بَيْنَهُمَا بِالْإِشَارَةِ الْمُجْمَلَةِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْ أَنَّهُ كَانَ فِي شَكٍّ مِنْهُ وَسَأَلَهُمْ لَأَجَابُوا: إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِ، وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِكَوْنِهِ لَا مَوْضِعَ لِلِامْتِرَاءِ بِهِ.
(9) كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْزِنُهُ تَكْذِيبُ قَوْمِهِ لَهُ وَكُفْرُهُمْ بِمَا جَاءَ بِهِ، فَنَهَاهُ اللهُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ 65 وَكَانَ يَتَمَنَّى إِيمَانَهُمْ كُلِّهِمْ فَجَاءَهُ فِي الْآيَاتِ 96 - 101 بَيَانُ سُنَّةِ اللهِ فِي اخْتِلَافِ اسْتِعْدَادِ النَّاسِ لِلْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَلَكَانُوا غَيْرَ هَذَا النَّوْعِ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ، وَإِذَنْ لَا يَقْدِرُ الرَّسُولُ وَلَا غَيْرُهُ عَلَى إِكْرَاهِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ، وَأَنَّ الْآيَاتِ لَا تَنْفَعُ إِلَّا الْمُسْتَعِدِّينَ لِلْإِيمَانِ وَالصَّلَاحِ، وَأَنَّ النَّجَاةَ لِرُسُلِ اللهِ وَمَنْ آمَنَ بِهِمْ بِمُقْتَضَى سُنَّتِهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ.
(10) خَتَمَ السُّورَةَ مِنَ الْآيَةِ 104 - 109 بِتَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ إِلَى تَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ وَالْعُبُودِيَّةِ الْمَحْضِ، وَكَوْنِ الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ، فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ ضَلَّ فَعَلَيْهَا، وَإِنَّمَا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَلِّغٌ لَا وَكِيلٌ لِلَّهِ مُتَصَرِّفٌ فِي أَمْرِ عِبَادِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْتَظِرَ حُكْمَهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ.