تفسير المنار (صفحة 4491)

وَسُلَّمَ يَقْتُلُ بَعْضَ مَنِ اتَّبَعَهُ وَصَحِبَهُ لِظُهُورِ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إِيمَانِهِمْ فِي الْبَاطِنِ، أَوْ لِإِعْلَامِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ، لَنَفَرُوا مِنَ الْإِسْلَامِ وَخَافُوا عَاقِبَةَ الدُّخُولِ فِيهِ.

وَثَمَّ مَفْسَدَةٌ أُخْرَى فِي هَذِهِ الْإِشَاعَةِ وَهِيَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارَ يُذِيعُونَ فِيهَا مَا شَاءُوا مِنَ التُّهَمِ الْبَاطِلَةِ وَالْإِفْكِ الْمُفْتَرَى، كَزَعْمِهِمْ أَنَّهُ إِنَّمَا قَتَلَ مَنْ ظَهَرَ لَهُمْ مِنْهُ مَا دَلَّهُمْ عَلَى بُطْلَانِ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ صَدَّقُوهُ وَجَاهَدُوا مَعَهُ.

عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ فِيهِمْ بَعْدَ وَصْفِهِمْ بِالْكُفْرِ بِالْقَوْلِ وَبِالْهَمِّ بِشَرِّ نَتَائِجِهِ مِنَ الْفِعْلِ (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)

(9: 74) . الْآيَةَ، فَيُرَاجَعُ تَفْسِيرُ الْآيَةِ وَمَا قَبْلَهَا مِنَ الْأَمْرِ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي (ص 473 - 481 ج 10 ط الْهَيْئَةِ) .

وَيْلِي هَذَا فِي السُّورَةِ خَبَرُ الَّذِي عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَاهُ مِنْ فَضْلِهِ لَيَصَّدَّقَنَّ (فِي الْآيَاتِ 75 - 77) وَمَا رَوَوْا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا خَاصَّةً وَأَنَّهُ شَخْصٌ يُقَالُ لَهُ ثَعْلَبَةُ، وَأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَاتُ تَابَ وَأَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالِهِ فَلَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنَّهُ هَلَكَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِهَا أَنَّ فِي حَدِيثِ سَبَبِ نُزُولِهَا إِشْكَالَاتٍ فِي سَنَدِهِ وَفِي مَتْنِهِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَصْلِ الشَّرِيعَةِ الْقَطْعِيِّ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ، فَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا بِمَا فَصَّلُوهُ بِهِ تَفْصِيلًا (رَاجِعْ تَفْسِيرَ ص 481 - 484 ج 10 ط الْهَيْئَةِ)

وَيَقْرُبُ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى مَا رُوِيَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) (9: 84) وَأَنَّهُ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ زَعِيمِ الْمُنَافِقِينَ الْأَكْبَرِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِهَا مَا فِي الْحَدِيثِ مِنَ التَّعَارُضِ مَعَ الْقُرْآنِ فَرَاجِعْهُ (فِي ج 10 تَفْسِيرٌ) .

وَمِنَ الْمُشْكَلِ فِي هَذَا الْبَابِ قِصَّةُ مَسْجِدِ الضِّرَارِ فِي الْآيَاتِ (107 - 110) فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا أَنَّهُمُ اتَّخَذُوهُ لِأَرْبَعَةِ أَغْرَاضٍ مِنْهَا الْكُفْرُ وَسَائِرُهَا أَقْبَحُ مَقَاصِدِ أَعْدَاءِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَدْمِهِ فَهُدِمَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِهِمْ، وَقَدْ شَهِدَ اللهُ بِكَذِبِهِمْ فِيمَا حَلَفُوا عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ نِيَّتِهِمْ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ بَنَوْهُ لِلْمَقَاصِدِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَاتِ كَانُوا كَمَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ مُنَافِقِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ أَتْبَاعِ أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ الَّذِي وَعَدَهُمْ بِأَنْ يَتَوَسَّلَ بِنَصْرَانِيَّتِهِ إِلَى قَيْصَرِ الرُّومِ وَالشَّامِ فَيُرْسِلَ مَعَهُ جُنْدًا يَكْفِيهِمْ أَمْرَ الرَّسُولِ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنَّ صِدْقَهُمْ فِي ظَاهِرِ عَمَلِهِمْ وَمَا زَعَمُوهُ مِنْ حُسْنِ النِّيَّةِ فِيهِ - كَثِيرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَشَارَكُوهُمْ وَصَلَّوْا مَعَهُمْ فِيهِ، وَكَانَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمْ مُتَعَذِّرًا، فَصَحَّ أَنْ يَأْتِيَ فِي الْفَرِيقَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَخْفِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (48: 25) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015