تفسير المنار (صفحة 4480)

مَا هُوَ مُخَالِفٌ لَهَا قَابَلْنَاهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ) (2: 194) .

(السَّابِعُ) تَخْلِيَةُ سَبِيلِ مَنْ يَتُوبُونَ مِنَ الشِّرْكِ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، لِأَنَّهُمْ بِهَذَا يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَنْ قَبِلَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْتَزَمَهُمَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَلْتَزِمَ غَيْرَهُمَا. وَهَذَا نَصُّ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ.

(الثَّامِنُ) إِيجَابُ إِجَارَةِ مَنْ يَسْتَجِيرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ، وَفِي حُكْمِهِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَنَائِبُهُ وَالْقَائِدُ الْعَامُّ فِي حَالِ الْحَرْبِ؛ لِأَجْلِ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ وَيَقِفَ عَلَى دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ، وَإِبْلَاغِهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَكَانَ الَّذِي يَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سُلْطَانِ الْمُسْلِمِينَ.

(التَّاسِعُ) تَعْلِيلُ نَبْذِ عَهْدِ الْمُشْرِكِينَ السَّابِقِ وَعَدَمِ اسْتِئْنَافِهِ مَعَهُمْ بِالْأَسْبَابِ الْآتِيَةِ:

(أ) أَنَّهُمْ نَقَضُوا عَهْدَ الْحُدَيْبِيَةِ بِالْغَدْرِ فَلَمْ يُخْبِرُوا الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ لِيَأْخُذُوا أُهْبَتَهُمْ.

(ب) أَنَّ مِنْ دَأْبِهِمْ وَشَأْنِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا ظَهَرُوا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِرُجْحَانِ قُوَّتِهِمْ لَا يَرْقُبُونَ فِيهِمْ عَهْدًا وَلَا ذِمَّةً وَلَا قَرَابَةً، بَلْ يَفْتِكُونَ بِهِمْ بِدُونِ رَحْمَةٍ.

(ج) أَنَّهُمْ يُنَافِقُونَ وَيَكْذِبُونَ عَلَيْهِمْ فِي حَالِ الضَّعْفِ فَيُرْضُونَهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَيَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَهُمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَكْثَرُهُمْ أَيِ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ أَيْ خَارِجُونَ عَنْ قُيُودِ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ.

(د) أَنَّهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيُعَادُونَ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ لِأَجْلِ مَنْفَعَةٍ قَلِيلَةٍ يَتَمَتَّعُونَ بِهَا، وَيَخَافُونَ أَنْ تُسْلَبَ مِنْهُمْ بِالْتِزَامِ شَرِيعَتِهِ الَّتِي تُحَرِّمُ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ كَالرِّبَا وَالْقِمَارِ وَالْغَصْبِ وَالْغَزْوِ لِأَجْلِ الْكَسْبِ، وَكَانُوا يَسْتَبِيحُونَ كُلَّ ذَلِكَ.

(هـ) أَنَّهُمْ - عَلَى كَوْنِهِمْ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً فِي حَالِ الْقُوَّةِ وَلَا فِي حَالِ الضَّعْفِ - هُمُ الْمُعْتَدُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْقِتَالِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَظَلُّوا مَعَهُمْ كَذَلِكَ فِي كُلِّ حَالٍ.

(و) أَنَّهُمْ نَكَثُوا عُهُودَهُمُ السَّابِقَةَ، فَكَذَلِكَ غَيْرُهَا فَلَا ثِقَةَ بِهَا فَتُرَاعَى.

(ز) أَنَّهُمْ هَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ مِنْ وَطَنِهِ، بَلْ هُمُ الَّذِينَ اضْطَرُّوهُ إِلَى الْخُرُوجِ هُوَ وَسَائِرُ مَنْ آمَنَ مَعَهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَوَاطَئُوا عَلَى قَتْلِهِ.

(ح) أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ بَدَءُوا الْمُؤْمِنِينَ بِالْقِتَالِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَبَقِيَتِ الْحَرْبُ مُسْتَمِرَّةً، فَلَمَّا أَنْهَتْ مُعَاهَدَةُ الْحُدَيْبِيَةِ حَالَةَ الْقِتَالِ أَعَادُوهَا بِغَدْرِهِمْ فِيهَا وَنَقْضِهِمْ لَهَا، وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ الثَّمَانِيَةُ صَرِيحَةٌ فِي الْآيَاتِ (7 - 10) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015