تفسير المنار (صفحة 3802)

وَرَدَ فِي فَضْلِ السَّبْعِ الطِّوَالِ، وَعَدُّوا السَّابِعَةَ يُونُسَ وَكَانَتْ تُسَمَّى بِذَلِكَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، فَفِي فَصْلِهَا مِنَ الْأَعْرَافِ بِسُورَتَيْنِ فَصْلٌ لِلنَّظِيرِ مِنْ سَائِرِ نَظَائِرِهِ، هَذَا مَعَ قِصَرِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَعْرَافِ وَبَرَاءَةَ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ قَدِيمًا حَبْرُ الْأُمَّةِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَالَ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى بَرَاءَةَ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكْتُبُوا الْبَسْمَلَةَ بَيْنَهُمَا وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ جَوَابَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا الْخَبَرَ بِطُولِهِ سُؤَالًا وَجَوَابًا ثُمَّ قَالَ: وَأَقُولُ: يَنِمُّ مَقْصِدُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي ذَلِكَ بِأُمُورٍ فَتَحَ اللهُ تَعَالَى بِهَا: (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ جَعَلَ الْأَنْفَالَ قَبْلَ بَرَاءَةَ مَعَ قِصَرِهَا؛ لِكَوْنِهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى الْبَسْمَلَةِ، فَقَدَّمَهَا لِتَكُونَ كَقِطْعَةٍ مِنْهَا وَمُفْتَتَحَهَا، وَتَكُونُ بَرَاءَةُ - لِخُلُوِّهَا مِنَ الْبَسْمَلَةِ - كَتَتِمَّتِهَا وَبَقِيَّتِهَا، وَلِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِنَّهَا سُورَةٌ وَاحِدَةٌ.

(الثَّانِي) وَضْعُ بَرَاءَةَ هُنَا لِمُنَاسَبَةِ الطُّولِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ السِّتِّ السَّابِقَةِ سُورَةٌ أَطْوَلَ مِنْهَا، وَذَلِكَ كَافٍ فِي الْمُنَاسَبَةِ.

(الثَّالِثَةُ) أَنَّهُ خَلَّلَ بِالسُّورَتَيْنِ أَثْنَاءَ السَّبْعِ الطِّوَالِ الْمَعْلُومِ تَرْتِيبُهَا فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ صَادِرٌ لَا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَإِلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ كِلْتَيْهِمَا، فَوُضِعَا هُنَا كَالْوَضْعِ الْمُسْتَعَارِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وُضِعَا بَعْدَ السَّبْعِ الطِّوَالِ فَإِنَّهُ كَانَ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُمَا بِتَوْقِيفٍ، وَلَا يُتَوَهَّمُ هَذَا عَلَى هَذَا الْوَضْعِ، لِلْعِلْمِ بِتَرْتِيبِ

السَّبْعِ، فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الدَّقِيقَةِ الَّتِي فَتَحَ اللهُ تَعَالَى بِهَا، وَلَا يَغُوصُ عَلَيْهَا إِلَّا غَوَّاصٌ.

(الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهُمَا وَقَدَّمَ يُونُسَ، وَأَتَى بَعْدَ " بَرَاءَةٌ " بِهُودٍ كَمَا فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ; لِمُرَاعَاةِ مُنَاسَبَةِ السَّبْعِ، وَإِيلَاءِ بَعْضِهَا بَعْضًا لَفَاتَ مَعَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ أَمْرٌ آخَرُ آكُدُ فِي الْمُنَاسَبَةِ، فَإِنَّ الْأَوْلَى بِسُورَةِ يُونُسَ أَنْ يُؤْتَى بِالسُّوَرِ الْخَمْسِ الَّتِي بَعْدَهَا لِمَا اشْتَرَكَتْ فِيهِ مِنَ الْمُنَاسَبَاتِ مِنَ الْقِصَصِ، وَالِافْتِتَاحِ بِـ " الر "، وَبِذِكْرِ الْكِتَابِ، وَمِنْ كَوْنِهَا مَكِّيَّاتٍ، وَمِنْ تَنَاسُبٍ مَا عَدَا الْحِجْرَ فِي الْمِقْدَارِ، وَمِنَ التَّسْمِيَةِ بِاسْمِ نَبِيٍّ، وَالرَّعْدُ اسْمُ مَلَكٍ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. فَهَذِهِ عِدَّةُ مُنَاسَبَاتٍ لِلِاتِّصَالِ بَيْنَ يُونُسَ وَمَا بَعْدَهَا، وَهِيَ آكَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْوَاحِدِ فِي تَقْدِيمِ يُونُسَ بَعْدَ الْأَعْرَافِ. وَلِبَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ قُدِّمَتْ سُورَةُ الْحِجْرِ عَلَى النَّحْلِ مَعَ كَوْنِهَا أَقْصَرَ مِنْهَا، وَلَوْ أُخِّرَتْ بَرَاءَةُ عَنْ هَذِهِ السُّوَرِ السِّتِّ لَبَعُدَتِ الْمُنَاسَبَةُ جِدًّا لِطُولِهَا بَعْدَ عِدَّةِ سُوَرٍ أَقْصَرَ مِنْهَا بِخِلَافِ وَضْعِ سُورَةِ النَّحْلِ بَعْدَ الْحِجْرِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ كَبَرَاءَةَ فِي الطُّولِ.

" وَيَشْهَدُ لِمُرَاعَاةِ الْفَوَاتِحِ فِي مُنَاسَبَةِ الْوَضْعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْحِجْرِ عَلَى النَّحْلِ لِمُنَاسَبَةِ (الر) قَبْلَهَا، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْدِيمِ آلِ عِمْرَانَ عَلَى النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقْصَرَ مِنْهَا لِمُنَاسَبَتِهَا الْبَقَرَةَ فِي الِافْتِتَاحِ بِـ " الم " وَتَوَالِي الطَّوَاسِينِ وَالْحَوَامِيمِ، وَتَوَالِي الْعَنْكَبُوتِ وَالرُّومِ وَلُقْمَانَ وَالسَّجْدَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015