سُورَةُ الْأَنْفَالِ
(وَهِيَ السُّورَةُ الثَّامِنَةُ فِي الْعَدَدِ، وَوُضِعَتْ مَوْضِعَ السَّابِعَةِ مِنَ السَّبْعِ الطِّوَالِ مَعَ أَنَّهَا مِنَ الْمَثَانِي، وَهِيَ دُونَ الْمِئِينَ الَّتِي تَلِي الطِّوَالَ، لِمَا سَيَأْتِي. وَعَدَدُ آيَاتِهَا 75 آيَةً)
سُورَةُ الْأَنْفَالِ مَدَنِيَّةٌ كُلُّهَا كَمَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَطَاءٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ، وَفِي لَفْظٍ: تِلْكَ سُورَةُ بَدْرٍ، وَقِيلَ: إِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ إِلَّا آيَةَ 64 يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا وُضِعَتْ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَقُرِئَتْ مَعَ آيَاتِهَا الَّتِي نَزَلَتْ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ لِمُنَاسَبَتِهَا لِلْمَقَامِ. وَرُوِيَ عَنْ مُقَاتِلٍ اسْتِثْنَاءَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا (30) الْآيَةَ ; لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا ائْتِمَارُ قُرَيْشٍ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَيْلَ الْهِجْرَةِ، بَلْ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ صَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِقَصْدِ الْهِجْرَةِ، وَبَاتَا فِي الْغَارِ، وَهَذَا اسْتِنْبَاطٌ مِنَ الْمَعْنَى، وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ نَفْسَهَا نَزَلَتْ فِي الْمَدِينَةِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ اسْتِثْنَاءَ خَمْسِ آيَاتٍ أُخْرَى بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ أَيْ إِلَى الْآيَةِ 35 لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، وَهُوَ أَنَّ مَوْضُوعَهَا حَالُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فِي مَكَّةَ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي نُزُولَهَا فِي مَكَّةَ، بَلْ ذَكَّرَ اللهُ بِهَا رَسُولَهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. وَكُلُّ مَا نَزَلَ بَعْدَ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرًا فَهُوَ مَدَنِيٌّ.
وَوَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا لِسُورَةِ الْأَعْرَافِ: أَنَّهَا فِي بَيَانِ حَالِ خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْمِهِ، وَسُورَةُ الْأَعْرَافِ مُبَيِّنَةٌ لِأَحْوَالِ أَشْهَرِ الرُّسُلِ مَعَ أَقْوَامِهِمْ، هَذَا هُوَ الْعُمْدَةُ. وَهُنَاكَ تَنَاسُبٌ خَاصٌّ بَيْنَ عِدَّةِ آيَاتٍ مِنَ السُّورَتَيْنِ يُقَوِّي هَذَا التَّنَاسُبَ، وَلَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ شَيْءُ مِنْهُ سَبَبًا لِلْمُقَارَنَةِ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الِاتِّفَاقِ فِي بَعْضِ
الْمَعَانِي مُكَرَّرٌ فِي أَكْثَرِ السُّوَرِ الْكَبِيرَةِ، وَأَنْقُلُ هُنَا عَنْ رُوحِ الْمَعَانِي مَا نَقَلَهُ عَنِ السَّيُوطِيَّ فِي وَضْعِ هَذِهِ السُّورَةِ هُنَا وَمَا تَعَقَّبَهُ بِهِ وَهُوَ: " وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَضْعَهَا هُنَا تَوْقِيفِيٌّ، وَكَذَا وَضْعُ بَرَاءَةَ بَعْدَهَا، وَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ كَسَائِرِ السُّوَرِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَمَا مَرَّ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَذَكَرَ الْجَلَالُ السَّيُوطِيُّ أَنَّ ذِكْرَ هَذِهِ السُّورَةِ هُنَا لَيْسَ بِتَوْقِيفٍ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، كَمَا هُوَ الْمُرَجَّحُ فِي سَائِرِ السُّوَرِ، بَلْ بِاجْتِهَادٍ مِنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ يَظْهَرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ إِيلَاءُ الْأَعْرَافِ بِيُونُسَ وَهُودٍ; لِاشْتِرَاكِ كُلٍّ فِي اشْتِمَالِهَا عَلَى قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأَنَّهَا مَكِّيَّةُ النُّزُولِ خُصُوصًا أَنَّ الْحَدِيثَ