ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ ابْنِ الطَّلَّاعِ وَتَعَقُّبَ الْحَافِظِ لَهَا وَأَوْرَدَ بَعْضَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فِي أَحْكَامِهَا مَا نَصُّهُ:
" وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي عُقُوبَةِ الْفَاعِلِ لِلُّوَاطِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ لِلْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ فِي تَحْرِيمِهِ وَلَعْنِ فَاعِلِهِ (أَيْ تَوَاتُرًا مَعْنَوِيًّا) فَذَهَبَ مَنْ ذُكِرَ مِنَ الصَّحَابَةِ (يَعْنِي الَّذِينَ اسْتَشَارَهُمْ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمَسْأَلَةِ) وَعَلِيٍّ (وَهُوَ مِنْهُمْ وَابْنُ عَبَّاسٍ) إِلَى أَنَّ حَدَّهُ الْقَتْلُ وَلَوْ كَانَ بِكْرًا سَوَاءً كَانَ فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالنَّاصِرُ وَالْقَاسِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى) مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجْمِهِ اللُّوطِيَّةَ، وَذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ بِمَجْمُوعِهِ يُنْتَهَضُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَتْلِ اللُّوطِيِّ فَرُوِيَ عَنْ عَلَيٍّ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ ثُمَّ يُحْرَقُ لِعِظَمِ الْمَعْصِيَةِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ (أَيْ عَمَلًا بِرَأْيِ عَلَيٍّ فِي الشُّورَى) وَذَهَبَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ إِلَى أَنَّهُ يُلْقَى عَلَيْهِ حَائِطٌ، وَذَهَبِ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّهُ يُلْقَى مِنْ أَعْلَى بِنَاءٍ فِي الْبَلَدِ (أَقُولُ: وَالرِّوَايَتَانِ ضَعِيفَتَانِ وَأَهْوَنُهُمَا الثَّانِيَةُ لِأَنَّ أَبْنِيَتَهُمْ كَانَتْ وَاطِئَةً جِدًّا) وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الشِّفَاءِ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقَتْلِ، وَقَدْ حَكَى الْبَغَوِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ يُرْجَمُ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ مَنْ قَالُوا: إِنَّ اللُّوَاطَةَ كَالزِّنَا فَحَدَّهُمَا وَاحِدٌ، وَبَحَثَ فِي تَخْصِيصِ اللُّوطِيِّ بِعِقَابٍ. وَقَفَّى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
وَمَا أَحِقُّ مُرْتَكِبَ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ، وَمُقَارِفَ هَذِهِ الرَّذِيلَةِ الذَّمِيمَةِ، بِأَنْ
يُعَاقَبَ عُقُوبَةً يَصِيرُ بِهَا عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ، وَيُعَذَّبَ تَعْذِيبًا يَكْسِرُ شَهْوَةَ الْفَسَقَةِ الْمُتَمَرِّدِينَ، فَحَقِيقٌ بِمَنْ أَتَى بِفَاحِشَةِ قَوْمٍ مَا سَبَقَهُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، أَنْ يَصْلَى مِنَ الْعُقُوبَةِ بِمَا يَكُونُ مِنَ الشِّدَّةِ وَالشَّنَاعَةِ مُشَابِهًا لِعُقُوبَتِهِمْ، وَقَدْ خَسَفَ اللهُ تَعَالَى بِهِمْ وَاسْتَأْصَلَ بِذَلِكَ الْعَذَابِ بِكْرَهُمْ وَثَيِّبَهُمْ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ وَالْمُرْتَضَى وَالْمُؤَيَّدُ بِاللهِ إِلَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ اللُّوطِيُّ فَقَطْ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْمَذْهَبِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِلْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي خُصُوصِ اللُّوطِيِّ، وَالْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الزَّانِي عَلَى الْعُمُومِ اهـ.
أَقُولُ: وَمِمَّا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ فِي هَذَا التَّعْزِيرِ أَنَّهُ يَكُونُ بِالْجَلْدِ وَالْحَبْسِ فِي أَنْتَنِ بُقْعَةٍ، وَبِالسِّجْنِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ) (4: 15) الْآيَتَيْنِ " 15، 16 " أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيَّ فَسَّرَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنَ النِّسَاءِ بِالْمُسَاحِقَاتِ - وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنَ الرِّجَالِ بِاللَّائِطِ وَالْمَلُوطِ بِهِ، وَأَنَّ الْجَلَالَ قَالَ: إِنَّهَا فِي الزِّنَا وَاللُّوَاطِ جَمِيعًا، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْأُسْتَاذَ الْإِمَامَ رَجَّحَ قَوْلَ أَبِي مُسْلِمٍ فِي الْآيَتَيْنِ، وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَ مَنْ قَالُوا: إِنَّ عِقَابَ اللُّوَاطَةِ التَّعْزِيرُ، وَلَكِنْ بِمَا فِيهِ إِيذَاءٌ لَا مُطْلَقًا، فَالتَّعْزِيرُ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَبِمَا فِيهِ تَعْذِيبٌ وَمَا لَا تَعْذِيبَ فِيهِ، [رَاجِعْ ص 355 - 360 ج 4 ط الْهَيْئَةِ] .