تفسير المنار (صفحة 3302)

84

(فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) الْخِطَابُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ الْقِصَّةَ أَوْ يَقْرَؤُهَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاعْتِبَارِ، وَالْمُرَادُ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عَاقِبَةَ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ لَا تَكُونُ إِلَّا وَبَالًا وَعِقَابًا، فَإِنَّ الْأُمَمَ تُعَاقَبُ عَلَى ذُنُوبِهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ بِاطِّرَادٍ. وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ أَنَّ عِقَابَهَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَثَرًا طَبِيعِيًّا لِلذَّنْبِ كَالتَّرَفِ وَالسَّرَفِ فِي الْفِسْقِ يُفْسِدُ أَخْلَاقَ الْأُمَّةِ وَيَذْهَبُ بِبَأْسِهَا، أَوْ يَجْعَلُهُ بَيْنَهَا شَدِيدًا بِتَفَرُّقِ كَلِمَتِهَا وَاخْتِلَافِ أَحْزَابِهَا وَتَعَادِيهِمْ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ تَسَلُّطُ أُمَّةٍ أُخْرَى عَلَيْهَا تَسْتَذِلُّهَا بِسَلْبِ اسْتِقْلَالِهَا، وَتَسْخِيرِهَا فِي مَنَافِعِهَا، حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ بِذَهَابِ مُقَوِّمَاتِهَا وَمُشَخِّصَاتِهَا، أَوِ انْدِغَامِهَا فِي الْأُمَّةِ الْغَالِبَةِ أَوِ انْقِرَاضِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَا يَحْدُثُ بِسُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجَوَائِحِ الطَّبِيعِيَّةِ كَالزَّلَازِلِ وَالْخَسْفِ وَإِمْطَارِ النَّارِ وَالْمَوَادِّ الْمُصْطَهِرَةِ الَّتِي تَقْذِفُهَا الْبَرَاكِينُ مِنَ الْأَرْضِ وَالْأَوْبِئَةِ - أَوِ الِانْقِلَابَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ كَالْحُرُوبِ وَالثَّوَرَاتِ وَالْفِتَنِ. وَهُنَالِكَ نَوْعٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ آيَاتِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَدِ انْقَضَى زَمَانُهُ بِخَتْمِهِمْ بِنَبِيِّ الرَّحْمَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. رَاجِعْ تَفْسِيرَ (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) (6: 65) [ص408 وَمَا بَعْدَهَا ج 7 ط الْهَيْئَةِ] .

حَظْرُ اللُّوَاطَةِ وَالْعِقَابُ عَلَيْهَا وَمَفَاسِدُهَا

أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ اللُّوَاطَةَ مِنْ كَبَائِرِ الْمَعَاصِي لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى سَمَّاهَا فَاحِشَةً وَخَبِيثَةً، وَقَدْ وَرَدَتْ عِدَّةُ أَحَادِيثَ فِي لَعْنِ فَاعِلِهَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَ بَعْضَهَا الْحَاكِمُ، وَهِيَ عَلَى كُلِّ حَالٍ يُؤَيِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي أَمْرٍ قَطْعِيٍّ بِالنَّصِّ مَعْلُومٍ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ مَرْفُوعًا: " إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ " صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَمِنْ حَدِيثِهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ " إِذَا ظُلِمَ أَهْلُ الذِّمَّةِ كَانَتِ الدَّوْلَةُ دَوْلَةَ الْعَدُوِّ، وَإِذَا كَثُرَ الزِّنَا كَثُرَ السِّبَاءُ، وَإِذَا كَثُرَ اللُّوطِيَّةُ رَفَعَ اللهُ يَدَهُ عَنِ الْخَلْقِ فَلَا يُبَالِي فِي أَيِّ وَادٍ هَلَكُوا "

وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُ النَّسَائِيِّ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا " مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ " قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ وَاسْتَنْكَرَهُ النَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِسْنَادُهُ أَضْعَفُ مِنَ الْأَوَّلِ بِكَثِيرٍ. ثُمَّ قَالَ عَنِ ابْنِ الطَّلَّاعِ فِي أَحْكَامِهِ تَصْحِيحِ الْحَدِيثِ وَرَدِّهِ بِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَصِحُّ، وَأَنَّ ابْنَ مَاجَهْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ بِلَفْظِ " فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ " وَقَالَ عَاصِمٌ مَتْرُوكٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُخْتَلَفٌ فِي ثُبُوتِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَلَكِنَّ الشَّوْكَانِيُّ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ الْحَافِظَ قَالَ: رِجَالُهُ مَوْثُوقُونَ إِلَّا أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا، وَأَنَّ الشَّيْخَيْنِ احْتَجَّا بِعَمْرِو بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ الَّذِي ضَعُفَ بِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015