تفسير المنار (صفحة 2043)

مَعَ الثَّعْلَبِ، وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الْمُفْتَرِسَةِ مَعَ السِّبَاعِ الْمُفْتَرِسَةِ، وَإِنَّمَا أَلَمُ الذَّبْحِ لَحْظَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَقُولُ عُلَمَاءُ الْحَيَاةِ: إِنَّ إِحْسَاسَ الْأَنْعَامِ وَالدَّوَابِّ بِالْأَلَمِ أَضْعَفُ مِنْ إِحْسَاسِ الْإِنْسَانِ بِهِ، فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، عَلَى أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَعْظُمُ أَلَمُهُمْ مِنَ الْجُرْحِ، فَرُبَّمَا يُقْطَعُ عُضْوُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ لِعِلَّةٍ بِهِ وَلَا يَتَأَوَّهُ، وَقَدْ يُغْمَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ، وَلَا يَحْتَمِلُهُ الْأَكْثَرُونَ إِلَّا إِذَا خُدِّرُوا تَخْدِيرًا لَا يَجِدُونَ مَعَهُ أَلَمًا وَلَا شُعُورًا.

(مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمُنَاكَحَتِهِمْ)

جَاءَ فِي ص (97) مِنَ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنَ " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ فِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ " لِابْنِ عَابِدِينَ الشَّهِيرِ، صَاحِبِ الْحَاشِيَةِ الشَّهِيرَةِ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مَا نَصُّهُ:

" سُئِلَ فِي ذَبِيحَةِ الْعَرَبِيِّ الْكِتَابِيِّ هَلْ تَحِلُّ مُطْلَقًا أَوْ لَا (الْجَوَابُ) تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْكِتَابِيِّ ; لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا كَوْنَ الذَّابِحِ صَاحِبَ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ حَقِيقَةً كَالْمُسْلِمِ، أَوْ دَعْوَى كَالْكِتَابِيِّ ; وَلِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِكِتَابٍ مِنْ كُتِبِ اللهِ تَعَالَى، وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ، فَصَارَ كَالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْكِتَابِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا يَهُودِيًّا، حَرْبِيًّا أَوْ عَرَبِيًّا تَغْلِبِيًّا ; لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُرَادُ بِطَعَامِهِمْ: مُذَكَّاهُمْ، قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي صَحِيحِهِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: " طَعَامُهُمْ: ذَبَائِحُهُمْ " وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الطَّعَامِ غَيْرِ الْمُذَكَّى يَحِلُّ مِنْ أَيِّ كَافِرٍ كَانَ بِالْإِجْمَاعِ، فَوَجَبَ

تَخْصِيصُهُ بِالْمُذَكَّى، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكِتَابِيِّ أَنَّهُ سَمَّى غَيْرَ اللهِ ; كَالْمَسِيحِ وَالْعُزَيْرِ، وَأَمَّا لَوْ سَمِعَ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَهُوَ كَالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْيَهُودِيِّ أَنْ يَكُونَ إِسْرَائِيلِيًّا، وَفِي النَّصْرَانِيِّ أَلَّا يَعْتَقِدَ أَنَّ الْمَسِيحَ إِلَهٌ؟ مُقْتَضَى إِطْلَاقِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ، وَبِهِ أَفْتَى " الْجَدُّ " فِي الْإِسْرَائِيلِيِّ، وَشَرَطَ فِي " الْمُسْتَصْفَى " لِحِلِّ مُنَاكَحَتِهِمْ عَدَمَ اعْتِقَادِ النَّصْرَانِيِّ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي " الْمَبْسُوطِ " فَإِنَّهُ قَالَ: " وَيَجِبُ أَلَّا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ إِلَهٌ، وَأَنَّ عُزَيْرًا إِلَهٌ، وَلَا يَتَزَوَّجُوا نِسَاءَهُمْ " لَكِنَّ فِي " مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ ": وَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ النَّصْرَانِيِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَالَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ أَوْ لَا، وَمُقْتَضَى إِطْلَاقِ الْآيَةِ: الْجَوَازُ، كَمَا ذَكَرَهُ التِّمِرْتَاشِيُّ فِي فَتَاوَاهُ، وَالْأَوْلَى أَلَّا يَأْكُلَ ذَبِيحَتَهُمْ وَلَا يَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ، إِلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَاللهُ وَلِيُّ الْإِنْعَامِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْأَنَامِ.

" قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي رَسَائِلِهِ: قَالَ الْإِمَامُ: وَمَنْ دَانَ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنَ الصَّابِئَةِ وَالسَّامِرَةِ، أُكِلَ ذَبِيحَتُهُ وَحَلَّ نِسَاؤُهُ، وَحَكَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ فِيهِمْ، أَوْ فِي أَحَدِهِمْ، فَكَتَبَ مِثْلَ مَا قُلْنَا، فَإِذَا كَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّصَارَى فِرَقٌ، فَلَا يَجُوزُ إِذَا جَمَعَتِ النَّصْرَانِيَّةُ بَيْنَهُمْ أَنْ نَزْعُمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَنِسَاؤُهُ، وَبَعْضَهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015