القول الثاني: أن الله تعالى ابتدأ بإنزاله في ليلة القدر , قاله الشعبي. واختلف في ليلة القدر مع اتفاقهم أنها في العشر الأواخر من رمضان , وأنها في وتر العشر أوجد , إلا ابن عمر فإنه زعم أنها في الشهر كله. فذهب الشافعي رحمه الله إلى أنها في إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين لحديث أبي سعيد الخدري , وذهب أبيّ بن كعب وابن عباس إلى أنها في ليلة سبع وعشرين. واختلف في الدليل , فاستدل أبيّ بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من علامتها أن تصبح الشمس لا شعاع لها ,) قال: وقد رأيت ذلك في صبيحة سبع وعشرين , واستدل ابن عباس بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سورة القدر ثلاثون كلمة فهي في قوله (سلام) و (هي) الكلمة السابعة والعشرون , فدل أنها فيها. وقال آخرون: هي في ليلة أربع وعشرين للخبر المروي في تنزيل الصحف , وقال آخرون: إن الله تعالى ينقلها في كل عام من ليلة إلى أخرى ليكون الناس في جميع العشر مجتهدين , ولرؤيتها متوقعين. وفي تسميتها ليلة القدر أربعة أوجه: أحدها: لأن الله تعالى قدر فيها إنزال القرآن. الثاني: لأن الله تعالى يقدر فيها أمور السنة , أي يقضيها , وهو معنى قول مجاهد. الثالث: لعظم قدرها وجلالة خطرها , من قولهم رجل له قدر , ذكره ابن عيسى. الرابع: لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً وثواباً جزيلاً. {وما أدْراكَ ما لَيْلَةُ القَدْرِ} تنبيهاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم على فضلها , وحثّاً على العمل فياه , قال الشعبي: وليلتها كيومها , ويومها كليلتها.