وكذلك صلحت المحنة والأمر في صحبة الأولياء والأعداء بحق الولاية والعداوة فيما لا يرون صلاحها وفيما يرون؛ إذ من الوجه الذي فيه الولاية والعداوة مرئية لأبصار القلوب والعقول؛ فيمكن الحذر والمعاملة جميعًا، وعلى هذا التقدير لم يمكن اللَّه أعداءه الذين لا يرون من معاداتهم بأفعال من أبدانهم وأموالهم بالسلب والتنجيس والإفساد، وقد مكن أعداءهم من الإنس ذلك؛ ليمكنهم الدفع عن ذلك والحذر عنه بما وقع الوقوف لبعض على حيل بعض والصرف عن ذلك، وما هذا إلا كدرك الحواس بأفعالها وأسبابها بالحس، وكذلك أمر الملائكة، لكن من لا يحتمل عقله معرفة الصانع والتوحيد مع شهادة العقل وكل شيء فجهله بالشيطان غير مستبعد ولا مستنكر، واللَّه أعلم.
قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ثم اختلف في وجه تمكن الشيطان من الإنس فيما يوسوس إليه:
قد روي في بعض الأخبار أنه يجري فيه مجرى الدم، فأنكر ذلك قوم، وليس ذلك مما ينكر بعد العلم باحتمال جري الدم فيه وجري قوة الطعام والشراب وما به حياة الأبدان والحواس مما لطف مجراه في جميع العروق والأعصاب وكل شيء؛ بلطافة ذلك؛ فعلى ذلك الشيطان.
وعلى ما روي في أمر الملك مما يكتب ما لا يعلم موضع قعوده ولا يسمع صريف قلمه ولا ما يكتبه علينا من ذلك، فعلى ذلك أمر الذي ذكرت.
ثم قد ثبت القول بأمر اللَّه تعالى نبيه أن يتعوذ به عن همزه ونزغه وحضوره بقوله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ. . .) الآية، وقوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ. . .)، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا)، وقال: (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ. . .) الآية، فثبت أن أمره على ما بيناه.
ثم القول في أي موضع لوقت ما له من الوحي والمس والنزغ أمر لا يحتاج إليه بحق؛ لأن اللَّه تعالى وعَزَّ وَجَلَّ أخبرنا أنا لا نراه بقوله: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ)، ولكن الذي رجعت المحنة إلى أفعاله التي يقع لها آثار في