يعلم ما به المصالح؛ فيلزمهم به أمران أيضًا: التوحيد والرسالة، ولا قوة إلا باللَّه.
والأصل عندنا بتمكين الشيطان ما ذكرنا من الوسوسة أن الشيطان والملك خَلْقَان لله تعالى عرفناهما بالرسل - عليهم السلام - وبما بيَّنَّا من ضرورة الحاجة إلى العلم ممن بإلقائه يصير عند التصوير قبيحًا أو حسنًا، فيأتيان جميعًا بما مكنهما اللَّه تعالى من الأمرين جميعًا: أمر الملائكة الخير والحكمة فيسهل عليه سبيله بتيسير اللَّه تعالى وفضله، وأمر الشيطان الضلال والشر فييسر عليه، حتى صار الخير للأول كالطبع، والشر للثاني كذلك، فإذن كان كل واحد ممكنًا من الأمرين، قال اللَّه تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ. . .) إلى قوله - عز جل -: (لِلْعُسْرَى)، وقال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ. . .) إلى قوله تعالى: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ).
ثم الأصل في الإنس أنهم امتحنوا بحقوق بينهم وبين اللَّه تعالى وبحقوق فيما بينهم، وكلفوا تثبيت الملائكة إياهم بقوله عَزَّ وَجَلَّ: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا)، وأمروا برد ما يوسوس إليهم الشيطان بقوله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)، وغير ذلك.
وعلى ذلك خلقت الملائكة ممتحنين بالكتابة على البشر بقوله: (كِرَامًا كَاتِبِينَ) فتكون الحكمة في تكليف التمكين ما وصف من محنة اللَّه تعالى إياهم طاعتهم في أنفسهم وفيما مكنوا من غيرهم، على ما ذكرت من أمر الإنس، وحكمة ذلك للإنس إلزام التيقظ والنظر فيما يقع في قلبه من الخواطر؛ ليعلم الذي له والذي عليه.
وكذلك في تكليف الملائكة كتابة قوله وفعله؛ ليكون متيقظًا ومتنبهًا في كل أفعاله وأحواله كتيقظه فيما كان الأولياء والأعداء من الكاتبين الظاهرين عليه أنه يحذر كل الحذر عما يؤذي وليه، ويقبل على كل أمر فيه نفع بما أمَّل، ويحذر عدوه أشد الحذر؛ لئلا يؤذيه من حيث لا يعلم، فيتهمه كل تهمة. ثم معلوم ألا يمل الكتبة إلا بعد إحكامه وإصلاحه غاية ما يحتمل الوسع، فعلى ذلك فيما خفي؛ إذ هم في العقول في درك ما منهم وما عليهم كالذين ذكر لهم ممن ظهروا لأبصارهم، واللَّه الموفق.