لعصا موسى - عليه السلام - وأن هذا في كونه آية أعظم مما فعل موسى عليه السلام؛ لأن ذلك يتنوع بتنوع ما له الفعل والعمل من حيث الجوهر والطبع من حيث مرأى العين؛ فإنه ثعبان يلقف ما صنعوا. فأما إبطال السحر وعمله بتلاوة القرآن لا يكون إلا باللطف من اللَّه تعالى، واللَّه أعلم.
ثم الأصل في هذا عندنا: أنه قد ثبت الأمر بالتعوذ بقوله: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، وقد بينا حق الاشتراك فيما يتضمن هذا الأمر إن كان على نازلة في واحد، أو على ابتداء التعليم، فهو أمر فيه رجاء للفرج والمخرج من الأمور الضارة بما يعتصم فيها باللَّه - تعالى - بما عنده من اللطائف؛ فجائز تمكينه من أمور ضارة باللطف من حيث لا يعلم البشر مأتاه، ولعل الذي يعمل به لا يعلم حقيقة ذلك العمل الذي جعل اللَّه لذلك العمل إلا بما سبق من وقوع ذلك، وقد يجوز الأمر والنهي بأشياء بعينها من الأفعال؛ لمكان ما يتولد عنها من المنافع والمضار باللطف من حيث لا فعل في حقيقة ذلك للخلق؛ وإنما ذلك لطف من اللَّه - تعالى - نحو ما نهى عن أكل أشياء، وأمر بها، مما بها الاعتداء والقتل، من غير أن نعلم حقيقة وصول ذلك إلى ما يعدو أو يقتل وأي حكمة في ذلك ومعنى له؟.
وكذلك الموضوع من المناكح لطلب الولد وسقي الأشجار والزروع بما يحدث الله فيها، وإن كان وجه العمل بالمأمور به، والمنهي عنه، وحقيقته بغير الذي له ذلك. وعلى ذلك الأمر بالاستماع، والنظر لما يلقى إليه ويراه، وإن لم يكن حقيقة الإدراك فعله.
وعلى ذلك التقدير جائز أن يكون اللَّه - تعالى - يجعل النفث بالعزائم، أو بأنواع السحر، أو بأنواع الرقى - أعمالا في المقصود بها من النفع والضر، لا يعلم حقيقة الوقوع والمعنى الموضوع فيه له من فيه ذلك الفعل، وهو به مأمور، وعنه منهي؛ بما له من حقيقة الفعل، وإن لم يكن النافع به في حقيقة فعله.
ثم قوله - عز وجل -: (الْفَلَقِ) اختلفوا فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: الصبح.