وقَالَ بَعْضُهُمْ يومئذ تبين وتقع أخبارها التي أخبروا في الدنيا فكذبوها، يومئذ يتبين لهم ذلك، ويقع لهم مشاهدة عيانا من الحساب والثواب والعقاب، وفي الخبر عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " أتدرون ما أخبارها؟ " قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: " أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ".
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5):
من قال بأن أخبارها من شهادتها بما عملوا على ظهرها، يكون تأويله قوله - تعالى -: (أَوْحَى لَهَا)، أي: أذن لها ربها بالشهادة؛ فتشهد.
ومن قال: إخبارها هو تزلزلها وتحركها والأحوال التي تكون منها يقول على إسقاط (لَهَا) يقول: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)، أي: فعل ذلك بها، والوحي قد يكون الوحي والإلهام والأمر، ويستعمل فيما يليق به.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) يحتمل صدور الناس من وجهين: أحدهما: يصدرون من قبورهم إلى الحساب؛ ليروا كتابة أعمالهم، أي: ليروا ما كتب من أعمالهم التي عملوا في الدنيا، ويحتمل صدورهم على ما أعد لهم في الآخرة من الثواب والعقاب؛ فعلى هذا التأويل؛ ليروا جزاء أعمالهم التي عملوا في الدنيا، كقوله - تعالى -: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)، وقوله - تعالى -: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا. . .)، هذا تفسير قوله: (أَشْتَاتًا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8):
قَالَ بَعْضُهُمْ: يرى الكافر ما عمل من خير في الدنيا، وأما في الآخرة فلا يرى؛ لأنه لا يؤمن بها، ولا يعمل لها؛ كقوله - تعالى -: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ. . .)، والمؤمن يرى ما عمل من شر في الدنيا، وما عمل في الآخرة؛ وعلى ذلك روي في الخبر أن أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان جالسا