وقال - تعالى -: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ. . .)، خصت هذه البقاع بالفضيلة على غيرها؛ لعبادات جعلت فيها؛ فعلى ذلك جائز أن يخص بعض الأوقات دون بعض بالفضيلة؛ لمكان عبادات جعلت فيها، لكنْ بيَّن تلك الأماكن، ولم يبين تلك الأوقات المفضلة، وجعلها مطلوبة من بين غيرها من الأوقات؛ فهو - واللَّه أعلم -: أن لو بين، وأشير إليها؛ لكان لا مؤنة تلزم لطالبه في ذلك؛ لأنه يحفظ ذلك الوقت وتلك الليلة خاصة، وأما المكان تلزم المؤنة في إتيان ذلك المكان، وعلى ذلك يخرج ما لم يبين وقت خروج روح الإنسان من بدنه؛ لأنه لو بين، وأعلم نهاية عمره، لتعاطى الفسق، وارتكب المعاصي؛ آمنا إلى آخر أجزاء حياته، ثم يتوب؛ فلم يبين؛ ليكون أبدا على خوف وحذر ورجاء؛ فعلى ذلك لم يبين تلك الليلة؛ لتطلب من بين الليالي جميعا؛ ليحيوا ليالي غيرها، واللَّه أعلم.
ثم إن كان السؤال عن القرآن هو المنزل في تلك الليلة، يكون دليله قوله: (حم. وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍةٍ. . .).
وإن كان السؤال عن ليلة القدر؛ فيكون البيان عنها.
ثم قوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: يقول: ما كنت تدري حتى أدراك؛ كقوله: (مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا. . .).
ويحتمل قوله: (وَمَا أَدْرَاكَ) على التعظيم لها والتعجيب، واللَّه أعلم.
وقيل: نزول هذه الآية يكون على معنى التسلي، أعطاه فضل هذه الليلة، والعمل فيها، ثم بين فضلها حيث قال: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أُري بني أمية على منبره؛ فساءه ذلك؛ فنزل قوله: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. . .)، أي: من ألف شهر يملكها بعدك بنو أمية يا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.