وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) أي: فقيرا فأغناك بما أراك من أمر الآخرة، وما يسوق إليك من نعيمها، أي: بما أعد له في الآخرة، وما وعد له من النعيم والكرامات هانت عليه الدنيا، حتى ذكر أن الدنيا لم تكن تعدل عنده - عليه السلام - جناح بعوضة؛ ولذلك روى أن الغنى غنى القلب.
ويحتمل أنه جعل فيه حالا بلطفه أغناه؛ كما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى عن الوصال، فقيل: أنت تواصل، يا رسول اللَّه؟ فقال - عليه السلام -: " أنا لست كأحدكم؛ إن ربي يطعمني ويسقيني "؛ فجائز أن يكون لله - عَزَّ وَجَلَّ - فيه لطف أغناه به، وإن لم يطلعنا عليه، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أغناك بمال خديجة، رضي اللَّه عنها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: فأغناك، أي: فأرضاك بما أعطاك من الرزق، وأقنعك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: " فأما اليتيم فلا تكهر "، فالكهر: الزجر، كأنه قال: فلا تزجر.
وجائز أن يكون قوله: (فَلَا تَقْهَرْ)، أي: لا تمنع حقه، وادفع إليه حقه وماله.
أو يكون ذكر هذا، يقول: كنت يتيما ورأيت حال اليتيم؛ فلا تقهر اليتيم؛ فيكون على الصلة لقوله: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)، فلا تقهر اليتيم بعد ذلك.
(وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10):
أي: كنت محتاجا فقيرا، فعرفت محل الفقر والحاجة وشدة حاله؛ فلا تنهر السائل -أي: لا تزجره- ولكن أعطه.
وجائز أن يكون الأمر لا على النهي، ولكن على الأمر بالبر لهَؤُلَاءِ والإعطاء لهم.
وجائز أن يراد من نفي شيء إثبات ضده، كقوله - تعالى -: (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ)، أي: خسرت، وعلى هذا الحديث، وهو ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " إذا أتاكم السائل فلا تقطعوا عليه مسألته، حتى يفرغ منها، ثم ردوا عليه برفق ولين، إما ببذل يسير، أو برد جميل؛ فإنه قد يأتيكم من ليس بإنسٍ ولا جِنٍّ؛ يرى كيف صنيعكم فيما خولكم اللَّه تعالى ".
وقال قوم: تزويج اليتيم قهره؛ لما فيه من الاستذلال والإضرار؛ فلم يجوزوه من غير